بعد الانتخابات الأخيرة.. البرازيل نحو اليمين المتطرف

د. صياح عزام:

أدت الدورة الثانية للانتخابات البرازيلية إلى فوز اليميني المتطرف (جايير بولسونارو) رئيساً للبلاد، وذلك في تطور لافت قد يشكل قطيعة مع جيل من الحكام ذوي الميول اليسارية، تداولوا السلطة على مدى 33 عاماً في أعقاب إسقاط النظام الديكتاتوري العسكري وتدشين مرحلة من النهوض الاقتصادي والاجتماعي. والجدير بالذكر أن بولسونارو الذي أطلق عليه البعض اسم (ترامب البرازيلي) بسبب مواقفه وتصريحاته المثيرة للجدل، كان قد فاز في الجولة الأولى من الانتخابات يوم 7 تشرين الأول 2018 بحصوله على 46% من الأصوات مقابل 29% لمنافسه فرناندو حداد مرشح حزب العمال.

البرازيل اليوم تقف في مفترق طرق، فنتائج الانتخابات الأخيرة خيبت أمل الناس من تعفن الوضع السياسي السابق في سنواته الأخيرة بعد فضائح الفساد في عهد الرئيسة ديلما روسيف ونائبها ميشال تامر، وترافق ذلك بتدهور نسبي في النمو، وتصاعد المشاكل الاقتصادية، ما أدى إلى اضطرابات اجتماعية وتفشي العنف والبطالة والفساد.

بالطبع كانت الأحزاب اليمينية ترصد ذلك ونجحت في استثماره بتأليب الرأي العام، الأمر الذي جاء ب(بولسانرو) رئيساً، ليبدأ عهده بإطلاق شعارات غير مطمئنة لخصومه وشركائه أيضاً، منها أنه سيغير النظام الاقتصادي باتجاه الخصخصة وفتح الأبواب أمام تغول الرأسمالية، ما يعني الانقلاب على منجزات (نموذج الاقتصاد الاجتماعي) الذي حقق إنجازات كبيرة، لولا أن الفساد قد شوهها.

وحسب آراء كثيرين من المحللين السياسيين، فإن بولسونارو ما هو إلا واجهة لممثلي النظام الرأسمالي في البلاد الذين يدفعون به إلى الواجهة في محاولة للإجهاز على مكتسبات الطبقة العاملة والحفاظ على مصالح أصحاب رؤوس الأموال، مستغلين ما تعانيه البلاد من مشاكل اقتصادية واجتماعية، وذلك من خلال العزف على وتر (القومية)، ولكن مع هذا يتوقع هؤلاء المحللون أنفسهم أن أي إجراءات للتغيير لن تمر بسهولة، لأن القوى اليسارية، ولو أنها خسرت الانتخابات، لم تضعف إلى درجة تسمح بالتجاسر عليها، فهذه القوى بإمكانها أن تتحرك للإطاحة بالعهد الجديد، خاصة أن الدول المجاورة للبرازايل غير مرتاحة لمجيء الرئيس الجديد.

والجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان من أول المهنئين للنظام الجديد، على العكس من الدول الأوربية التي دعته إلى ترسيخ الديمقراطية، إذ يتخوف الغربيون من أن يكون بولسونارو (ترامب البرازيل) ومهدداً للديمقراطية في بلاده، وقد يقود حكمه إلى إنتاج الديكتاتورية من جديد لتؤثر في البرازيل نفسها وفي الدول المحيطة بها، وتجعل هذه الدول قريبة من اليمين المتطرف. وأكثر ما يخشى منه أن تستغل الولايات المتحدة الأمريكية هذا الوضع الجديد في البرازيل، وتتخذ منه معولاً تستخدمه للتأثير على مجموعة (بريكس) وهدمها، هذه المجموعة الاقتصادية الهامة والواعدة التي تضم دولاً وازنة اقتصادياً وسياسياً (روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا)، لأن إضعاف هذه المجموعة أو هدفها سيؤدي إلى تطويق النفوذين الروسي والصيني المتناميين في دول أمريكا اللاتينية.

وبالمناسبة فإن بولسونارو الرئيس الجديد للبرازيل ينحدر من أصل إيطالي، فقد هربت عائلته من النظام الفاشي هناك أثناء الحرب العالمية الثانية، من جهة أخرى فإن تشبيه بولسونارو بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو تشبيه غير دقيق، كما يشير إلى ذلك بعض المراقبين والمحللين السياسيين، فبينما يدافع ترامب عن التدابير والإجراءات الحمائية وإيجاد وظائف داخل الولايات المتحدة الأمريكية، يسعى بولسونارو إلى تحقيق سياسة خاضعة للسوق الدولية، لكن ما يمكن تعميمه في الحالتين ربطاً مع نمو (الحركات القومية) في القارة الأوربية، هو تعمّق الأزمة الرأسمالية العالمية، والضجر الشعبي من النخب الحاكمة التقليدية التي فشلت في إيجاد حلول مقبولة وناجعة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في بلدانها، وبالتالي بدأ البحث عن أية بدائل مهما كان شكلها.

ومع ذلك وكما أشرنا قبل قليل فإن اليسار البرازيلي لايزال قوياً، وإن خسر هذه الانتخابات، ويمكنه إعادة تنظيم نفسه جيداً من جديد، والبحث عن ممثل حقيقي له للحفاظ على المكاسب التي تحققت في البلاد لصالح الطبقة العاملة في السنوات الماضية. وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن أول خطوة لهذا الرئيس الترامبي إعلانه عن عزم بلاده نقل سفارتها إلى القدس، وهذا أول الغيث، كما يقال، الأمر الذي يؤكد فعلاً ما قيل عنه (ترامب في البرازيل).

العدد 1104 - 24/4/2024