دور آليات الحوكمة في مكافحة الفساد المالي 

سليمان أمين:

بسبب تراكمات الفساد المالي والانهيارات الاقتصادية والأزمات المالية التي شهدتها عدد من الدول، ظهرت الحاجة إلى الحوكمة، وقد جرى تطبيقها في العديد من الاقتصادات المتقدمة خلال العقود الماضية.

ومصطلح الحوكمة بالترجمة المتفق عليها علمياً يعني: (أسلوب ممارسة سلطات الإدارة الرشيدة).

مفهوم الحوكمة

تعددت التعريفات المقدمة لهذا المصطلح، ويدل كل مصطلح عن وجهة نظر الجهة المعرفة له وفق رؤيتها. ت

عرف مؤسسة التمويل الدولية IFC الحوكمة بأنها: (هي النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات والتحكم في أعمالها). أما منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية  OECD فتعرفها بأنها: (مجموعة من العلاقات فيما بين القائمين على إدارة الشركة ومجلس الإدارة وحملة الأسهم وغيرهم من المساهمين).

ويعرفها البعض على أنها مجموع (قواعد اللعبة) التي تستخدم لإدارة الشركة من الداخل، ولقيام مجلس الإدارة بالإشراف عليها لحماية المصالح والحقوق المالية للمساهمين.  أي بمعنى آخر فإن الحوكمة تعني النظام، أي وجود نظم تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء، كما تشمل مقومات تقوية المؤسسة على المدى البعيد وتحديد المسؤول والمسؤولية.

آليات الحوكمة ودورها في محاربة الفساد المالي

تؤدي حوكمة الشركات دوراً مهماً في معالجة المشكلات التي تعاني منها هذه الشركات، ومن أبرزها مشكلة الفساد المالي والإداري، وذلك من خلال مجموعة من الآليات صنفها كل من Hessو Impavido إلى آليات حوكمة داخلية، وأخرى خارجية .

1- الآليات الداخلية للحوكمة

*مجلس الإدارة، يعتبره الباحثون أحسن أداة لمراقبة سلوك الإدارة، إذ إنه يحمي رأس المال المستثمر في المؤسسة من سوء الاستعمال من قبل الإدارة، وذلك من خلال صلاحياته القانونية في تعيين الإدارة العليا وإعفائها ومكافأتها، كما أن مجلس الإدارة القوي يشارك بفاعلية في وضع استراتيجية الشركة، ويقدم الحوافز المناسبة للإدارة، ويراقب سلوكها ويقوم أداءها، وبالتالي تعظيم قيمة الشركة.

*لجنة المراجعة وتساهم في زيادة الثقة والشفافية في المعلومات المالية التي تفصح عنها المؤسسات، وذلك من خلال دورها في إعداد التقارير المالية وإشرافها على وظيفة التدقيق الداخلي في الشركات، وكذلك دورها في دعم هيئات التدقيق الخارجي وزيادة استقلاليتها، إضافة إلى دورها في التأكيد على الالتزام بمبادئ حوكمة الشركات .

*المراجعة الداخلية: يقوم المراجعون الداخليون من خلال الأنشطة التي ينفذونها بزيادة المصداقية، العدالة، تحسين سلوك الموظفين العاملين في المؤسسات الحكومية والشركات المملوكة للدولة وتقليل مخاطر الفساد الإداري والمالي.

2- الآليات الخارجية للحوكمة

*القوانين والتشريعات ذلك أنها تؤثر على آليات الحوكمة بما يمثل الرادع من الانسياق نحو التلاعب والفساد .

المراجعة الداخلية يساعد المراجعون الخارجيون الشركات على تحقيق المساءلة والنزاهة وتحسين العمليات فيها، ويغرسون الثقة بين أصحاب المصالح والمواطنين بشكل عام.

*منظمة الشفافية العالمية  التي تلعب دوراً مهماً في ممارسة ضغوط، من أجل محاربة الفساد المالي والإداري في الدول، فمثلاً تضغط منظمة التجارة العالمية من أجل تحسين النظم المالية والمحاسبية، وفي قطاع البنوك، تمارس لجنة بازل ضغطاً من أجل ممارسة الحوكمة فيها.

ومن هنا يتضح لنا الدور الذي يمكن أن تلعبه آليات الحوكمة المختلفة في الحد من ظاهرة الفساد المالي ومكافحة تفشيها في المؤسسات والشركات سواء العامة والخاصة .

 

ختاماً

يعتبر الفساد المالي والإداري من أخطر المشكلات التي تعاني منها المؤسسات والشركات الحكومية، وإن الالتزام بآليات الحوكمة وقواعدها من قبل المؤسسات يؤدي إلى الحد من الفساد المالي والإداري فيها وزيادة كفاءة أدائها، وبالتالي زيادة ثقة المستثمرين المحليين والأجانب بالشركات .

وبعد إدراكنا لخطورة ظاهرة الفساد المالي وأهمية تفعيل دور الحوكمة في مكافحة تزايد هذه الظاهرة، فإنه من الضروري العمل على :

* تكثيف دراسات الباحثين في مجال تحليل أسباب الفساد المالي، والحوكمة.

*إصدار القوانين الصارمة لمجابه هذا الفساد المتراكم في المؤسسات .

* تعديل القوانين ذات القصور وتلك التي يمكن الالتفاف عليها بما يخدم المصلحة العامة.

* تفعيل آليات الحوكمة لمكافحة الفساد المالي من خلال الدعوة لزيادة الوعي لدى مساهمي الشركات المساهمة بحقوقهم في حضور اجتماع الجمعيات العمومية بتنفيذ تعليمات هيئة سوق المال ومن ضمنها لائحة حوكمة الشركات، ومنح السلطة اللازمة لمجالس إدارة الشركات لممارسة أحكامها الخاصة بعيداً عن التدخلات السياسية والبيروقراطية في شؤونها من الإدارة العليا، إضافة إلى دعم استقلال لجنة المراجعة، والمراجعين الداخليين والخارجيين.

العدد 1104 - 24/4/2024