حول مرسوم وزارة الأوقاف.. خطوة إلى الأمام.. خطوات إلى الوراء!

 بعد أن خاض شعبنا حرباً ضروساً ضد أعتى المجموعات الإرهابية التكفيرية المسلحة، من داعش والنصرة وغيرها والقوى الإقليمية والدولية الداعمة لها، وحقق الانتصارات الكبيرة ضد هذه القوى، بفضل صموده وتضحياته الجسام وبسالة جيشه ودعم حلفائه، وفي الوقت الذي يطمح فيه إلى عودة الأمن والأمان إلى ربوع الوطن الواحد الموحد أرضاً وشعباً، وإلى بناء دولته المدنية الديمقراطية والعلمانية القائمة على أسس المواطنة والمساواة وحقوق الإنسان، وفي الوقت الذي نحن فيه بأمسّ الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تمتين وحدة النسيج الوطني بتنوعه الديني والمذهبي والقومي، صدر بتاريخ 20/9/2018 المرسوم التشريعي رقم 16 المتضمن مهام وزارة الأوقاف واختصاصاتها.

لقد تضمن المرسوم في تحديد مهام الوزارة أنها تتولى ممارسة الشؤون المتعلقة بالتوجيه والإرشاد الديني الإسلامي والأوقاف. وخصوصاً الإشراف على الأنشطة الدينية في الجمهورية العربية السورية ومتابعتها. وجاء من ضمن ذلك: (محاربة الفكر التكفيري المتطرف بتياراته ومشاربه كافة وفق ما يحدده المجلس العلمي الفقهي الأعلى في الوزارة، وحماية الوحدة الوطنية من مخاطر هذا الفكر وتجفيف منابعه، والمواجهة الفكرية لكل من يحمله، كالوهابية وتنظيم الإخوان وما يماثلها من الحركات والتنظيمات المتطرفة) (المادة 2/د). وكذلك (محاربة التعصب والطائفية… والتأكيد على احترام الأديان الأخرى كافة، وإذكاء روح التجانس بين أبناء الوطن على اختلاف أديانهم ومذاهبهم) (المادة 2/ز).

إلا أنه من الناحية الفعلية جاءت جميع نصوص المرسوم ومواده لتؤسس وتشرعن لإقامة دولة دينية داخل الدولة، فقد مُنحت الوزارة بموجبها هيكيلة وصلاحيات واسعة وخطرة لا تتمتع بها أي وزارة أخرى من وزارات الدولة. وهي في كل ذلك لا تخضع لأي جهة رقابية أو سلطة تشريعية أو تنفيذية أو قضائية.

فللوزارة هيكلية خاصة تمتد من الوزير (ذي الصلاحيات المطلقة) إلى المديريات في المحافظات، إلى (شُعَب الأوقاف في المدن والبلدات والبلديات والمناطق والنواحي) التي تشكل بقرار من الوزير) (المادة 97) إلى (لجان الأوقاف في الأحياء والقرى  تشكل من الوزير تتولى الإشراف على حسن سير الشعائر الدينية في نطاق عملها الإداري)!! (المادة 100). ومن الواضح أن (حسن سير الشعائر الدينية) مفهوم واسع فضفاض يمكن أن يشمل كل ما يتعلق بممارسات المواطن في حياته اليومية!

كما منحت الوزارة الحق في تشكيل تنظيم (ديني شبابي) وآخر نسائي تحت تسمية (تمكين وتأهيل النسق الشاب من الأئمة والخطباء ومعلمات القرآن الكريم) (المادة 2/ط).

ويتيح المرسوم للوزارة التدخل في جميع وسائل الإعلام والنشر تحت عنوان (الرقابة على البرامج الخاصة بالعمل الديني في وسائل الإعلام كافة، وكذلك المطبوعات الدينية) (المادة 2/ف) ومن المفهوم أن أي قول أو كتابة أو نشر يمكن أن يفسَّر أنه يمسّ بشكل ما الجانب الديني، مما يتيح للوزارة أن تكون وصيّة على أي نشاط أو فعالية من هذا النوع.

ونص المرسوم على أنه (يكون لمجلس الأوقاف الأعلى موازنة خاصة مستقلة عن الموازنة العامة للدولة تصدر بقرار من الوزير …) (المادة 55). و(الوزير هو عاقد النفقة وآمر التصفية والصرف للأموال الموضوعة في موازنة مجلس الأوقاف الأعلى) (المادة 56). و(يصدر النظام المالي لمجلس الأوقاف الأعلى بقرار من الوزير) (المادة 57)؟

كما أفسح للوزارة الحق بفرض ضريبة على المواطنين تحت مسمى (تعزيز دور فريضة الزكاة والعمل على تطوير سبل وآليات تحصيلها وتوزيعها..) (المادة 2/م).

وقد مُنح المكلفون بالعمل الديني سواء أكانوا من العاملين أو الموظفين في الدولة امتيازات خاصة لا يتقاضاها أي من الموظفين الآخرين في الدولة، أكانوا متفرغين لهذا العمل أو موظفين في وظائف أخرى في الدولة أو حتى متقاعدين، بقرار من الوزير (مع إمكانية الجمع بين الراتب الوظيفي أو التقاعدي وما يمكن أن يتقاضاه من الوزارة)، وذلك دون أي أسس أو قواعد لمنح هذه (البدلات النقدية) لهم، (المادة 27)، مع (إعفائهم من أية اقتطاعات ضريبية أياً كان نوعها) (المادة (29).

كل ذلك على نحو يتناقض مع ما نصت عليه المادة 33 من الدستور: (المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة) وأن (الدولة تكفل مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين).

فضلاً عن عدم إخضاع هؤلاء العاملين لقوانين العمل والتأمينات الاجتماعية التي يخضع لها سائر العاملين في الدولة.

كما استثنت المادة 12 من هذا المرسوم المكلفين بالعمل الديني من شرط التمتع بالجنسية العربية السورية (لضرورات المصلحة العامة)!

وجاء في المرسوم أنه (تحدث المدارس الشرعية الإسلامية للمرحلة ما قبل الجامعية بقرار من الوزير، وتدرس فيها المناهج الشرعية المعتمدة من الوزارة، إلى جانب المناهج الكونية المعتمدة من وزارة التربية) (المادة 38). وهذه المدارس مستقلة بمناهجها وموازنتها وإدارتها والإشراف عليها عن وزارة التربية والتعليم (المواد 3850) علماً أن شهادتي الإعدادية الشرعية والثانوية الشرعية الممنوحة منها تعد معادلة لشهادتي التعليم الأساسي والثانوية العامة (المادة 45).

من المفهوم أن مجتمعنا السوري هو مجتمع متعدد الديانات، معتدل ومتسامح، وصحيح أن المسلمين يشكلون الأكثرية إلا أن التدخل في حياة كل مواطن سوري وعقيدته يتناقض مع المبادئ المنصوص عليها في الدستور السوري، ومع المبدأ المتعارف عليه: (الدين لله والوطن للجميع).

إننا نطالب أن يعاد النظر بهذا المرسوم، من خلال الوسائل التشريعية النافذة، على أسس المواطنة وبما يحقق المساواة بين جميع أبناء الوطن الواحد، بغضّ النظر عن الدين أو الجنس أو الأصل، ويفسح المجال لبناء الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية حقاً وفعلاً، آملين في الوقت ذاته أن لا يستغل البعض هذا المرسوم لإثارة أي نعرات من أي نوع كان، في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون فيه إلى تعزيز اللحمة الوطنية.

العدد 1104 - 24/4/2024