الحكومة تغرّد بعيداً!

ديمة حسن:

يبدو أن للحكومة السورية الأخيرة وجهة نظرها الخاصة حول حياة الشعب السوري، فهي بالتأكيد قلقة حيال رتابة حياته المملة الخالية من التشويق والإثارة، وبناء على ذلك فهي تصدر القرارات وتطلق التصريحات الجديدة كل فترة، آملة في إضفاء نكهة على حياة السوريين الرغيدة والهانئة والبعيدة كل البعد عن المشاكل والتعقيدات.

وللطلبة في سورية حصة جيدة من هذه القرارات، فبعد صدور قرار رفع رسوم التسجيل في الجامعات العامة قبل فترة، صدر القانون الأخير الخاص بطلاب الدراسات العليا، والذي اشترط حصول الطالب الموظف على إجازة بلا أجر خلال سنة دراسته الأولى في حال أراد متابعة تحصيله العلمي.

وبالطبع، فقد سعد الطلاب وفرحوا بهذا القرار الحكيم وبهذه الرؤية الثاقبة، وأقاموا الأفراح والليالي الملاح، احتفالاً بسداد رأي الحكومة التي أمّنت كل المتطلبات للطالب السوري الراغب بالدراسة العليا، فكفلت له معيشته ومعيشه ذويه، وطمأنته بأن مستقبله وتفرغه للبحث العلمي الرافع لاسم سورية وجامعاتها هو غاية الحكومة وأحد أسباب سعادتها ورضاها عن عملها، وما عليه سوى الاهتمام بالعلم وليترك أمور الحياة ومتاعبها على حكومته التي ترعى مصالح الشعب في كل الظروف وفي كل الأوقات.

ولكن، دعونا الآن نستيقظ من هذا الحلم الجميل، ونعود إلى الواقع الحقيقي، فقصتنا الخيالية هذه لا تشبه واقعنا سوى بصدور ذلك القرار المجحف، فالحكومة لم تعر الطلاب أيّ اهتمام، ولم تفكر للحظة في مصيرهم ومصير عوائلهم عند إصدار هذا القرار، فهي إما نسيت أو تناست أن غالبية السوريين اليوم قد باتوا من الطبقة المفقَرة التي تعاني ويلات الحرب الاقتصادية، فأتى قرارها الجديد كما قراراتها السابقة في نواحي الحياة المختلفة ليؤكد بُعدها عن الشعب السوري، ووقوفها ضد فئات الشعب المهمشة المفقرة، حتى لنظن في بعض الأحيان أن الحكومة تعيش في كوكب آخر ولا تعلم شيئاً عن واقع السوريين وأحوالهم.

فأيّ جرأة تلك التي يمتلكها وزير التعليم العالي ليصدر قراراً كهذا؟! وأيّ دعم يتلقّاه من حكومته التي لم تحرك ساكناً، بخصوص قرار سيظلم الآلاف من الطلاب المجدّين المؤمنين بجامعات بلادهم وبقيمة البحث العلمي فيها؟! هذا القرار الذي سيبعد أصحاب الكفاءات عن حلمهم في متابعة تحصيلهم العلمي، ليفسح المجال فقط لأبناء الشرائح ذات الدخل العالي ورؤوس الأموال الذين يعيشون بعيداً عن هموم المواطن المُفقَر.

أيكون سكوت السوريين عن القرارات المتتالية الجائرة بحقهم خلال سنوات الحرب هو ما دفع الحكومة للتمادي في هدر حقوقهم أكثر وأكثر، ضاربة بعرض الحائط مشاعرهم وهمومهم والصعوبات التي يواجهونها لاستكمال حياتهم؟!

لقد أدركت شريحة كبيرة من الشعب السوري (الشريحة الأكثر فقراً وعوزاً) مخاطر الأزمة التي تمر بها البلاد، فوقفت صامدة أمام كل التحديات، وقدمت الغالي والرخيص فداء لوطنها، وعمّدته بدماء أبنائها، ولكن الحكومة للأسف لم تدرك أن جميل هذا الشعب الصامد لا يرد بطريقة كهذه.

لم تدرك أن ما يجمع السوريين اليوم بات أكثر بكثير مما يفرقهم، فالتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لن يعود نافعاً اليوم، وإدراك مخاطر هذا التهميش ومحاولة استدراك الوضع بقرارات صحيحة لهو خير ما تفعله الحكومة، إذا كانت ترغب بحفظ ماء وجهها ورد اعتبارها بأعين مواطنيها وتفادي الغضب الشعبي في الفترة القادمة من عمر البلاد.

العدد 1104 - 24/4/2024