بيان المكتب السياسي للجنة المركزية في الحزب الشيوعي اليوناني

في مواجهة تكاثف سحب الحرب الإمبريالية، نرفض أي توريط أو مشاركة لبلادنا فيها.

1- إن كلاً من الأزمة الرأسمالية، وصعوبات إدارتها في الاتحاد الأوربي لا سيما في منطقة اليورو كما في الولايات المتحدة، إضافة إلى عواقبها حتى على الاقتصادات الرأسمالية التي لا تزال تسجل على المدى القصير معدلات نمو مرتفع، تعزز التناحرات والتناقضات وعدوانية الإمبريالية في جنوب شرق آسيا وبحر قزوين وآسيا الوسطى وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

إن التطورات في شرق البحر الأبيض المتوسط والمنطقة المحيطة خطيرة على وجه الخصوص، وتتمظهر خطورتها عبر تنفيذ جارٍ لخطة تدخّل إمبريالي من أجل توسيع النشاطات الاقتصادية لكبرى المجموعات الاقتصادية من دول الاتحاد الأوربي الأعضاء والولايات المتحدة، في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج العربي، سعياً لامتلاك ميزة جيوستراتيجية في سياق منافستها مع روسيا والصين وتحالف بلدان بريكس، التي تهدد أيضاً زعامة الولايات المتحدة عالمياً لـ(هَرم) الإمبريالية.

كما يتشابك الوضع المذكور مع ضخ الرساميل نحو تغذية صدامات عسكرية كوسيلة للتحكم بالأزمة الرأسمالية.

إن هذه التطورات تطرح باستمرار وعلى نحو أكثر إصراراً علاقة الرأسمالية بالأزمة والحرب.

2- إن الهدف الرئيسي لكل قوة إمبريالية هو السيطرة على موارد الثروة والنفط والغاز والطاقة والمياه وأنابيب حوامل الطاقة و(شرايين) نقلها، واستغلالها في سبيل كسب الاحتكارات لمزيد من الأرباح وتحصيلها لحصص أكبر في الأسواق.

و قد كان الهدف المذكور وراء الحروب الإمبريالية التي شنتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوربي بصدارة بريطانيا وفرنسا، على أفغانستان عام ،2001 وعلى العراق عام ،2003 ومؤخراً على ليبيا. وقد نُظِّمت هذه الحروب ونُفِّذت باستخدام ذرائع (مكافحة الإرهاب)، و(تقديم المساعدات الإنسانية) وغيرها، ويجري استخدامها مرة أخرى اليوم في التحضير لحرب إمبريالية جديدة ضد سورية وإيران.

3- لقد سبب الصدام المسلَّح في سورية، الذي بدأ في آذار /مارس ،2011 مقتل الآلاف من الأشخاص، وتبرز باستمرار معطيات وتطورات جديدة مرتبطة بالتدخل الأجنبي في شؤون سورية، وبصدام قوى إمبريالية إقليمية وعالمية في ظل ظروف أزمة رأسمالية عالمية.

إن ممارسة حق النقض (فيتو) ثلاث مرات من جانب روسيا والصين في الأشهر الأخيرة في مجلس الأمن، أعاقت أمر (شرعنة دولية) لتدخل عسكري أجنبي يهدف إلى إسقاط نظام الأسد. فنحن نرى تعزيز عملية تسليح المعارضة المسلحة ودعمها الأشمل، من جانب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وجامعة الدول العربية وفرنسا، إضافة إلى (اللاعبين الإقليميين)، وخصوصاً تركيا وقطر والسعودية.

إن الأطروحات المتعلقة بـ(مناطق حظر الطيران) و(مناطق حماية اللاجئين)، وكذلك الاعتراف بحكومة معارضي النظام، تندرج كلها في سياق التخطيط والإعداد لعدوان إمبريالي.

في الوقت نفسه، فإن مزاعم أوباما واعتبار الولايات المتحدة استخدام أسلحة الدمار الشامل (الكيماوية والبيولوجية) من جانب نظام الأسد خط أحمر، يُشكِّل بجملته الأرضية لمكيدة محتملة وتدخل عسكري، كما حدث في حالة العراق.

وتقوم القوى الإمبريالية بحشد قوى طيران في شرق المتوسط والخليج العربي. في إطار تدخل عسكري يجري التخطيط له.

 إن العنصر الرئيسي الذي يعمل كمُثبِّط يمنع حتى الآن التدخل العسكري للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوربي في سورية، هو الموقف المتميز لروسيا التي تمتلك قاعدة عسكرية في ميناء طرطوس السوري، وكذلك موقف الصين، إذ تساند هاتان القوتان النظام السوري.

يتحدد موقف القوتين المذكورتين من مصالحهما الكبرى الاقتصادية والعسكرية والسياسية في شرق المتوسط والخليج العربي وآسيا الوسطى، هي مصالح ستتهدد في حال إسقاط نظامَيْ سورية وإيران والاستعاضة عنهما بقوى سياسية تضع العقبات في تعاونها مع الصين – روسيا. كما تشكل إيران وحزب الله دعامات للحكومة السورية، إذ تعي إيران أن الطوق سيشتد حولها في حال سقوط نظام الأسد، وهي بلد قدمت سلفاً دعماً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لسورية.

لقد امتد الخلاف والنزاع المسلح في سورية سلفاً، إلى المنطقة المحيطة، كما يظهر من الصدامات الجارية في لبنان. ولكن في جنوب شرق تركيا أيضاً، في حين تفاقم الوضع نتيجة ردود الفعل التي أثارها الفيلم الاستفزازي المهين للمسلمين الذي أعد في الولايات المتحدة الأمريكية. كما صُعِّدت العدوانية الإمبريالية ضد إيران في الأشهر الأخيرة، عبر فرض الحظر على صادرات إيران النفطية وعبر غيرها من التدابير الهادفة للإطاحة بالقيادة الإيرانية.تتشابك التدخلات والضغوط المطالبة بتأجيل وإلغاء البرنامج النووي الإيراني، مع تهديدات وتخطيطات إسرائيل لقصف المنشآت النووية الإيرانية. فمن الواضح أن التغيير في سورية، فضلاً عن إضعاف حزب الله في لبنان، من شأنه أن يسهل تنفيذ المخططات الإسرائيلية للهجوم على إيران، هي مخططات من المحتمل أن تقود لاندلاع حرب واسعة النطاق في منطقتنا في حال تنفيذها، مع عواقب وخيمة، وخسائر بشرية ومادية وتدفق موجات جديدة من اللاجئين والمهاجرين.

4- تعود جذور الأحداث التي بدأت منذ سنة ونصف في سورية، إلى داخل البلاد، إلى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها الطبقة العاملة وباقي الشرائح الشعبية. هي مشاكل تفاقمت في السنوات الأخيرة بسبب سياسات إعادة الهيكلة الرأسمالية (الخصخصة، تقليص الحقوق العمالية الشعبية والدخل) التي طبقت لمصلحة البرجوازية المحلية بهدف تحسين موقعها في السوق الرأسمالية الدولية.

في التزامن مع ذلك تَمظهر تدخلٌ إمبريالي في شؤون سورية الداخلية من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ومنظمة حلف شمال الأطلسي وإسرائيل وتركيا وقطر والمملكة العربية السعودية. وقد تجلى بوضوح اهتمام الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وإسرائيل بزعزعة استقرار النظام السوري البرجوازي، وإضعاف توازن القوى داخله، نظراً لتشكيله حليفاً لقوى في فلسطين ولبنان يعارض أيضاً المواقف والمخططات الإمبريالية في المنطقة التي تغذيها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وإسرائيل التي لا تزال تحتل أراض فلسطينية وسورية ولبنانية. من المحتمل أن يقود إضعاف النظام السوري أو إسقاطه، لا إلى فتح (شهية) المخططات الإمبريالية للهجوم على إيران فحسب، بل إلى تقسيم جديد لدول المنطقة، وإلى حالة (دومينو) من زعزعة الاستقرار وإراقة دماء الشعوب، وهو أمر سيجلب أيضاً حروباً وتدخلات إمبريالية جديدة.

يمكننا القول استنتاجاً، إن احتفالات وابتهاج القوى البرجوازية والانتهازية بما عرف بـ(الربيع العربي) لا أساس لها، فإنها قد قللت من شأن استهدافات الإمبريالية عبر مخططها (الشرق الأوسط الجديد)، أو تسترت عليها. كما عبرت أيضاً عن تطلعات الطبقات البرجوازية في هذه البلدان التي رغبت في تنفيس ردود الفعل الشعبية والتلاعب بها، وفي استمرار تأبيد الأنظمة الرأسمالية. ويتأكد هذا الاستنتاج، بين غيره من التطورات في كل من تونس ومصر، التي نسجل أنها تعمل على تعزيز دورها في المنطقة.

في هذه الظروف، يشدد الحزب الشيوعي اليوناني على أن مسار سورية بالطبع هو شأن داخلي. إذ يركز حزبنا الاهتمام على الأمر الرئيسي، الذي يتمثل حالياً بالحرب الإمبريالية والتدخلات المماثلة في المنطقة، التي تجري خاصة بمشاركة بلادنا. إن معارضتنا لتدخل إمبريالي محتمل في سورية، أو هجوم مماثل على إيران لا يعني تخلينا عن موقفنا الناقد للأنظمة البرجوازية في هذين البلدين.

5- إن الوضع يتشابك نتيجة احتدام التناقضات الناجم عن وجود احتياطيات النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، وعن عمليات التنقيب الجارية في المناطق اليونانية، ونتيجة أيضاً لاشتداد حدة العلاقات بين تركيا وإسرائيل.

تسعى إسرائيل للتعويض عن انقطاع علاقاتها مع تركيا عبر رفع مستوى تدخلها (الاقتصادي والسياسي والعسكري) في قبرص واليونان. فقد دُفعت مخططاتها عبر زيارات متتالية قام بها مسؤولوها إلى اليونان وقبرص.

6- يتوجه حزبنا إلى الطبقة العاملة وشعوب المنطقة مشدداً على أن مصالحها متطابقة مع النضال ضد الإمبريالية والاحتكارات، من أجل فك ارتباطها بالمنظمات الإمبريالية، وإزالة القواعد العسكرية والنووية الأجنبية، وعودة التشكيلات العسكرية من البعثات الإمبريالية، ودمج هذا النضال مع النضال في سبيل السلطة. فعلى هذه الأرضية يمكن للشعوب أن تعيش في سلام بشكل خلاق مع استغلال موارد الثروة لمصلحتها الخاصة، لتلبية احتياجاتها الخاصة، عندما تشكل الموارد المذكورة ملكية شعبية.

فلنعزز الآن الكفاح من أجل منع أي تورط أو مشاركة لبلادنا في الحروب الإمبريالية!

 

أثينا 18/9/2012

المكتب السياسي

للجنة المركزية في الحزب الشيوعي اليوناني

العدد 1104 - 24/4/2024