قمة البيرو.. وحدة أمريكا اللاتينية والتضامن مع العرب والاستقلال عن واشنطن

ختمت القمة الثالثة لدول أمريكا اللاتينية والدول العربية في العاصمة البيرونية ليما، ببيان ختامي مشترك عرف ب»إعلان ليما«، أعربت فيه الدول المشاركة عن تأييدها للسلام وحقوق الإنسان، وحقوق الشعب الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة على حدود عام ،1967 فيما تجنب الإعلان التطرق إلى الوضع في سورية، رغم سيطرة هذا الملف على خطابات المشاركين في الكواليس الخلفية!

وجاء في البيان الختامي: «يبدي رؤساء الدول والحكومات المشاركون في القمة ارتياحهم تجاه التقدم الذي تحقق منذ القمة الأخيرة في الدوحة عام 2009». وأضاف الرئيس البيروفي هومالا »إن المشاركين أجروا نقاشاً حيوياً في المواضيع الأكثر إلحاحاً في الأجندة الدولية، وتبادلوا وجهات النظر بشأن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العالم«. وأفاد رئيس البيرو «تأكيد الإعلان المشترك على مسائل مثل: نزع السلاح، وحظر الانتشار النووي، والحلول السلمية للنزاعات الإقليمية، واحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي، ورفض كل أشكال الإرهاب، وتأييد حق الشعب الفلسطيني واستقلاله وسيادته فوق أرضه، وحق كل الأمم في المنطقة العربية في أن تعيش في سلام وأمان داخل حدود معترف بها».

والجدير بالذكر أن أربعة فقط من القادة والزعماء العرب قد حضروا هذه القمة وهم: الرئيس التونسي منصف المرزوقي، والرئيس اللبناني ميشال سليمان، والملك الأردني عبدالله الثاني، وأمير دولة قطر حمد بن خليفة آل ثاني.

وعقد بالتزامن مع هذه القمة  اللقاء الثالث لرجال الأعمال من أمريكا اللاتينية والبلدان العربية، وبمشاركة نحو 400 رجل أعمال، ما بين عربي وأمريكي لاتيني. وقد أشاد الأمين العام للجامعة العربية السيد نبيل العربي في كلمته أمام المؤتمر: «بالروابط القومية التي تجمع بين هاتين المنطقتين من العالم، فضلاً عن التاريخ المشترك مع مجموعات عربية كبيرة في دول أمريكا اللاتينية التي تشكل جزءاً حيوياً من النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لهذه الدول».

 

أمريكا اللاتينية والقضايا العربية.. تضامن وعتب!

كانت البرازيل من أهم الدول التي استقبلت المهاجرين العرب منذ القرن ال،19 وقد بلغ عدد ذوي الأصول العربية فيها سنة 2011 نحو عشرة ملايين نسمة، وتعدّ مدينة ساوباولو الصناعية أكبر تجمع لذوي الأصل العربي، الذين يسيطرون على صناعة الغزل والنسيج والسجاد، ومنهم نحو 6 ملايين من أصل لبناني. وقد انتخب رجل الأعمال اللبناني أحمد مراد رئيساً لتجمع العرب في أمريكا اللاتينية الذي تأسس عام 1973 في الأرجنتين.

اهتمت البرازيل وفنزويلا وبوليفيا والأرجنتين وتشيلي بالقضايا العربية- خاصة القضية الفلسطينية- وأيدتها في المحافل الدولية، شأنها شأن معظم دول أمريكا اللاتينية، خاصة بعد صعود القوى اليسارية إلى سدة الحكم في عدد من بلدان القارة. ومع بدايات عام 2009 أصبح «اليسار الجديد» يحكم 65% من سكان أمريكا اللاتينية، وكانت آخر علامات هذا التغيّر النصر الأحمر في السلفادور، فقد نجح موريس فونز مرشح جبهة فاربوندو مارتي للتحرير الوطني «اليسارية» في تحقيق نصر انتخابي على منافسه اليميني رودريجو أفيلا. ويقتضي الإنصاف الإشادة بالدور الذي لعبه الرئيس السابق للبرازيل لولا دا سيلفا ومبادرته الإيجابية لعقد أول قمة عربية- لاتينية، دعي إليها الرؤساء والملوك العرب في حزيران عام ،2005 وحضرها من الجانب اللاتيني أغلبية الرؤساء، وعلى رأسهم لولا دا سيلفا رئيس حزب العمال اليساري، ولم يحضرها من الجانب العربي سوى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وبعض وزراء الخارجية العرب. وقد أثبتت كثافة الحضور اللاتيني الرغبة في التقارب مع العرب وتفهمهم لقضاياهم العادلة.

وفي القمم الثلاث التي عقدت ما بين العام 2005 و،2012 حرصت دول أمريكا اللاتينية على مضاعفة أشكال التعاون العربي- اللاتيني في مجال التجارة والاستثمار وزيادة الروابط الثقافية. وأبدى الرؤساء اللاتينيون اهتمامهم بالتعاون العربي- اللاتيني في مجالات الطاقة، ووضع إمكانات أمريكا اللاتينية في خدمة وإمداد المنطقة العربية بالقمح والذرة والصويا واللحوم، إضافة إلى مجال التعاون التكنولوجي والصناعي لمصلحة الطرفين. ومن المعروف أن البرازيل من أهم مصنعي ومصدري الأسلحة والطائرات، وأن الأرجنتين تقدمت لمصر بمفاعل نووي خلال ولاية الرئيس كارلوس منعم. ومنذ انتخاب الرئيس لولا دا سيلفا، ومن بعده الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف، تتجه العلاقات مع البرازيل وبقية دول أمريكا اللاتينية للتوسع.

وقد كان التضامن اللاتيني مع العرب وقضاياهم واضحاً وجلياً منذ أمد طويل في الأمم المتحدة، ومن خلال المظاهرات الاحتجاجية التي حدثت في معظم العواصم اللاتينية ضد احتلال العراق، وضد الممارسات العنصرية الصهيونية وعدوانها المتواصل على الشعب الفلسطيني، واجتياح قطاع غزة بين الكانونين لعام 2008 و2009. كما أعلن الرئيس هوغو تشافيز في فنزويلا قطع العلاقات مع إسرائيل، وأعلن فتح باب التبرعات لإعادة بناء قطاع غزة. ويظهر تحرك قادة دول أمريكا اللاتينية عبر زيارتهم المتكررة إلى المنطقة، الرغبة والحماسة لتعزيز أشكال التحالف والتعاون على جميع الأصعدة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية مع البلدان العربية دون استثناء.

 

اليسار اللاتيني الجديد.. وآليات التضامن الأممي

الكفاح من أجل الاستقلال عن السيطرة الأمريكية الشمالية تاريخياً، لابد أن يقود مباشرة إلى الوحدة الأمريكية اللاتينية التي تشمل استقلالاً اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وعسكرياً.. وسواء اختلف قادة اليسار اللاتيني الجديد في توجهات سياساتهم الداخلية والخارجية أم اتفقوا،  فإنهم في نهاية المطاف يشكلون انعكاساً حقيقياً لواقع مجتمعاتهم، فهم كثيراً ما يشبهون شعوبهم، ومن ينظر إلى صورة الحكام اليساريين في أمريكا اللاتينية من بعيد، يجدها تتضمن معظم فئات المجتمع اللاتيني تقريباً بقسماته وملامحه الخاصة. وعلى النقيض من هذا المشهد اللاتيني المشرق، يصدمنا المشهد العربي البائس والمحزن.. خاصة إذا دققنا بعدد ومستوى الحضور العربي لاجتماع قمة البيرو الأخير.. إذ لم يكن التجاوب العربي بالصيغة والطريقة المفترضة. وقد فسر غياب الزعماء والقادة العرب أنه نتيجة للضغط الأمريكي، ولكن الآن وفي ظل ثورات الربيع العربي فقد أصبح من الضروري عقد اتفاق استراتيجي مع دول أمريكا اللاتينية، باعتبار أن احتياطي الطاقة والغذاء والدواء والسلاح والموقف التضامني المبدئي الذي يحتاج إليه العرب، في ظل تخبط العلاقات العربية- الغربية والأمريكية متوفر. وتسعى بلدان أمريكا اللاتينية إلى جعله متحققاً بالممارسة.

آن الأوان للجامعة العربية والبلدان العربية أن تضع استراتيجية نشطة تجاه دول أمريكا اللاتينية.. لاسيما أن «الربيع العربي» قد أحدث تغييرات يرصدها المحللون ويرونها جذرية، وأن هناك «عالماً قد تغير»، والإشارة هنا تحديداً إلى مصر وتونس وليبيا واليمن، وإلى أن «نمراً قد أُطلق»، وأنه لا سبيل لأن يعود إلى القفص مرة أخرى.

العدد 1104 - 24/4/2024