ذبول«ثورة الورود» الجيورجية

هل أدخلت نتائج الانتخابات البرلمانية جمهورية جيورجيا القفقاسية «السوفييتية سابقاً» مرة أخرى في مرحلة جديدة بعد «استقلالها» عن الاتحاد السوفييتي، وما شهده هذا الاستقلال من صراعات جيورجية – داخلية؟ وبعد ثورة «الورود» عام ،2003 وما أحدثته من تفاعلات جيورجية وقفقاسية، وصولاً إلى الحرب الروسية – الجيورجية في آب عام ،2008 واستقلال «إقليمَيْ» أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا؟ ويضاف إلى هذه التساؤلات التبعات الهامة لهذه النتائج على جيورجيا بموقعها الاستراتيجي وجوارها السوفييتي السابق «الهش» راهناً، وعلى خاصرة روسيا الاتحادية القفقاسية الرخوة حالياً، فضلاً عن انعكاسات ذلك كله على التعاطي الأمريكي – الروسي مع هذه المنطقة وتبعاته.

إذ منحت نتائج الانتخابات البرلمانية «في نهاية الأسبوع الماضي» ائتلاف قوى المعارضة على اختلافها وتنوعها، قائمة «الحلم الجيورجي» بزعامة رجل الأعمال بيدزينا إيفانيشفيلي 53% من أصوات الناخبين، مقابل 40% ل«الحركة الوطنية الموحدة» التي يقودها الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي.

وتأتي هذه الخسارة الكبيرة لساكاشفيلي وحزبه، بعد ولايتين رئاسيتين فاز بهما ساكاشفيلي، وبعد الحرب الجيورجية – الروسية في آب عام ،2008 كذلك بعيد التحالفات التي صاغها الرئيس الجيورجي في بلاده، وعمل على أن تمتد إلى جمهوريات وأقاليم القفقاس الروسية الذاتية الحكم، وإلى الجمهوريات السوفييتية السابقة المجاورة.

وتزداد أهمية سقوط رمز ثورة الورود في جيورجيا، بعد أن سقطت رموز الثورة البرتقالية وأحزابها انتخابياً أيضاً في أوكرانيا مؤخراً، وتؤشر إلى سقوط المشروع الأمريكي- «الغربي» الذي ساند ثورات الورود في العديد من الجمهوريات السوفييتية السابقة، والذي اعتقد أنه من الممكن أن يمتد إلى العديد من الأقاليم الروسية أيضاً. ورغم الفوارق الشخصية بين ساكاشفيلي «الابن البار لواشنطن» وخريج الولايات المتحدة الأمريكية، وبين إيفانيشفيلي الذي «يحمل الجنسية الفرنسية» و«الصديق» لروسيا وللاتحاد الأوربي في آن، فإن سقوط رمز ثورة الورود الجيورجية، يمثل ضربة لمشروع تعزيز العلاقات الثنائية مع إسرائيل وحلف الناتو والولايات المتحدة من جهة، ومن جهة أخرى عودة «الدفء» إلى العلاقات الروسية مع هاتين الجمهوريتين وغيرهما أيضاً.

وعلى الرغم من الفوارق بين طبيعة القوى التي أسقطت رموز الثورة البرتقالية في أوكرانيا، ونجاح أحزاب المعارضة، وبخاصة حزب الأقاليم، فإن تركيبة المعارضة الجيورجية بتلاوينها وطبيعة زعيمها، وماهية الصعوبات التي تواجهها تمثل نقطة مفصلية بين الحدثين الأوكراني والجيورجي على أهميتهما. فالهام بالنسبة للمعارضة والجامع لها، تمثل أساساً في إسقاط حزب ساكاشفيلي، وتحميله تبعات توتير العلاقات مع روسيا ودول الجوار، وصولاً إلى الحرب مع روسيا وتداعياتها، واستقلال إقليمَيْ أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، فضلاً عن وضوح مواقف الرئيس ساكاشفيلي في تفضيله الانضمام إلى حلف الناتو، وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، على حساب علاقات ولو «متوازنة» نسبياً مع روسيا الاتحادية. في الوقت الذي لم ينجح فيه الرئيس الجيورجي رغم توجهه هذا، وما يمثله من استفزاز صريح لروسيا في فضائها السوفييتي السابق، في إخراج جيورجيا من أزماتها الاقتصادية وغيرها، والتي أدت أخيراً إلى نجاح ائتلاف المعارضة، وبالتالي فقدان ساكاشفيلي وحزبه السلطة التشريعية «البرلمان» والتنفيذية «الحكومة»، وصولاً إلى تزايد الأصوات المطالبة بانتخابات مبكرة، وعدم انتظار عام 2013 موعد الانتخابات الرئاسية.

يدرك ساكاشفيلي، الذي أقر بالهزيمة الكبيرة، وبأنه سينضم إلى قوى المعارضة، أن ذلك لن يغيّر كثيراً من طبيعة الأوضاع الداخلية الجيورجية من جهة، في المدى القريب على الأقل. كما أن العلاقات الجيدة لزعيم المعارضة الجيورجية والعديد من أحزابها مع روسيا، ومعرفتها بحجم المآسي والكوارث الوطنية وانعكاساتها على دول الجوار، وبخاصة روسيا من جهة ثانية. فضلاً عن الترحيب «الغربي» والأمريكي ودول الناتو أيضاً بنتائج هذه الانتخابات، «وهذا بحث آخر منفصل»، سيضعف من حظوظه في الانتخابات الرئاسية أيضاً.

كما يدرك إيفانيشفيلي وتحالفه العريض «بتنوعه وتعقيداته» حجم الصعوبات التي تواجه جيورجيا داخلياً، وعلى جميع الأصعدة، وبضمنها المسألة القومية، ومع جوارها القفقاسي والروسي، وبالتالي ضرورات التوازن في العلاقات مع الدول المحيطة، وبخاصة روسيا التي رحبت بنجاحه.

ومع إقرارنا بحساسية مسألتي الاستقلال لإقليمَيْ أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وانعكاساتها على الأوضاع الداخلية الجيورجية، وعلى العلاقات مع روسيا الاتحادية، التي اعترفت باستقلال الإقليمين، فإن التفاعلات الجيورجية أظهرت رفض سياسة »ثورات الورود« وتالياً سقوطها. وهذا ما يُفترض مراجعته جيورجياً «على الصعيد الوطني»، وفي إطار علاقات جيورجيا مع جوارها ومحيطه «السابق»، وفي كيفية صياغة تحالفاتها القادمة.

وبانتظار المعركة القادمة المتمثلة بالانتخابات الرئاسية، العادية أو الطارئة، فإن الهام برأينا يتلخص في فشل برامج «ثورات الورود» وسياسات رموزها ونهجها، وفي فشل التعاطي الأمريكي – «الغربي» مع الفضاء السوفيتي السابق، ومحاولة اللعب على موضوعة خاصرة روسيا «الرخوة»، وخاصة بعد أن بدأت روسيا منذ سنوات تستعيد عافيتها ودورها الدولي وتحالفاتها. كذلك في استخلاص العبر من تجربة «ثورة الورود» ونتائجها وتبعاتها أيضاً، وكُلَف التبعية والتفكيك والتدهور الاقتصادي التي نتجت عن الهرولة صوب الغرب وحلف الأطلسي.

العدد 1104 - 24/4/2024