الصين… مؤتمر الحزب الشيوعي ومهماته الداخلية والدولية

اختتم المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني أعماله في 14 تشرين الثاني الجاري، في قصر الشعب بساحة تيان آن مين، بعد أسبوع كامل من النقاشات والحوارات، حول وضع الحزب والدولة تجاه المهمات العديدة التي يواجهها الحزب ودولة الصين الشعبية. وصادق 2307 مندوبين في المؤتمر يمثلون نحو 83 مليون شيوعي على تشكيلة اللجنة المركزية الجديدة التي تضم 205 أعضاء، والتي استبدلت بالقادة الأكبر سناً آخرين أصغر عمراً.

وفي كلمته الختامية أعلن الأمين العام السابق هو جينتاو اختتام أعمال المؤتمر ال18 بنجاح، وأعلن تشكيلة اللجنة المركزية الجديدة للحزب، التي انتخبت أيضاً المكتب السياسي الجديد المؤلف من 25 عضواً، ولجنته الدائمة من سبعة أشخاص (بدلاً من تسعة في المؤتمر السابق)، إضافة إلى الأمين العام الجديد شي جينغ بينغ. وراجع المؤتمر ولجنته المركزية والمكتب السياسي واللجنة الدائمة قوانين الحزب للارتقاء بنظرية هوجينتاو حول (التنمية العلمية)، وضرورة تشجيع (التقدم البيئي). إذ تأثرت البلاد في العقود الثلاثة الماضية من حجم الانعكاسات الضارة للتطبيع والتوسع العمراني.. كما أكد جينتاو أن الحزب (واثق من أن كل القرارات والخطط التي تبنّاها، وكل الإنجازات التي تحققت، ستلعب دوراً هاماً في قيادة تطور الشيوعية وفق الخصائص الصينية).

مؤتمر الحزب الذي يعقد كل خمس سنوات، والذي انتخب جينغ بينغ أميناً عاماً، أعلن انتخاب نائب رئيس الوزراء الحالي لي كيكيانغ بديلاً لرئيس الحكومة الحالي وين جياباو.

وشغلت قضايا دور الحزب الشيوعي وآليات تطويره وانعكاسات هذا النهوض الصيني الاقتصادي- الاجتماعي السريع على جمهورية الصين شعباً وبيئة.. كذلك معالجة الفساد التي جاءت واحدة من نتائج هذا التطور الاقتصادي السريع، ووصول الصين إلى المرتبة الثانية في سلّم الاقتصادات الدولية.. وبالتالي ضرورة محاسبة الفاسدين، وخاصة الذين يشغلون مواقع قيادية أو مفصلية محلية ووطنية عموماً في الحزب والدولة (قضية القيادي تشيلاي مثلاً، وغيره من القادة السابقين الذين لم ينتخبوا مرة أخرى في الهيئات القيادية). إذ أكد جينتاو على خلفه جينغ بينغ ضرورة التركيز على مسألة الفساد الاقتصادي التي قد تؤدي إلى (انهيار الحزب والدولة).

كما تعرض المؤتمر إلى نسبة النمو الاقتصادي الذي شهد تباطؤاً وصل إلى أقل من 8% (أدنى نسبة نمو منذ 13 عاماً)، رغم أن الصين تعد من الدول الأفضل والأقوى على صعيد النمو الاقتصادي). كذلك سلاسة انتقال المواقع القيادية للحزب من خلال مؤتمراته، والنهج الذي تسير عليه الصين حكومة وحزباً بتغيير قيادتها السياسية كل عشر سنوات. أي أن ولاية أعضاء المكتب السياسي والهيئات القيادية الأخرى تستمر لفترتين متتاليتين، ومن خلال المؤتمر العام الذي يعقد كل خمس سنوات. وهذا ما أكده حضور الأمين العام الجديد وفريق القيادة الجماعية الجديدة الستة (أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي الجديد)، والذين سيتولون قيادة الصين دولة وحزباً وشعباً لولايتين متتاليتين (في الحالة العادية).

كما ناقش المؤتمر قضايا مواصلة تحديث الاقتصاد الصيني، ومعالجة تبعاتها الاجتماعية الداخلية، وبخاصة تقليص الفوارق بين المناطق الأكثر تطوراً (المناطق المفتوحة وفق التعبير الصيني، وتمثل المناطق الساحلية والعاصمة والعديد من المدن المصنفة كمراكز صناعية متقدمة)، وبين المناطق الريفية الداخلية الأقل تطوراً على الصعيد الاقتصادي- الاجتماعي وتبعاتها.

ولم تغب قضايا دول الجوار الصيني، وبخاصة مسألة الصين الواحدة واستكمالها بعد استعادة بكين سيادتها على هونغ كونغ، وماكاو، واشتراط المؤتمر هذا المبدأ على طبيعة علاقات الصين الشعبية مع جزيرة تايوان المتمردة، التي تضعها الصين خارجة على سيادتها، وبخاصة مع الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم فيها، ما لم يتوقف عن السعي وراء استمرار (استقلال)هذه الجزيرة عن الوطن الأم. كما شغلت القضايا المناطقية الأخرى المجاورة للصين حيّزاً هاماً من الشق السياسي للمؤتمر وقراراته، وبخاصة الملف الكوري الديمقراطي (حليفة الصين التاريخية)، والخلافات مع اليابان حول الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. كذلك دور الصين المتنامي في حل القضايا الخلافية المناطقية والإقليمية والدولية، وتأثير الصين المتزايد في أدوار الروابط والتكتلات الإقليمية والقارية والدولية (منظمة شانغهاي للتعاون، رابطة أبيك، مجموعة بريكس الدولية)، فضلاً عن ثمار التنسيق الصيني-  الروسي في معالجة الخلافات الثنائية السابقة وانتقالها إلى مرحلة التعاون والتنسيق في معالجة وحل العديد من القضايا الساخنة، بدءاً من الملف النووي الإيراني (الصين هي إحدى الدول الست المعنية به)، إلى الملف النووي الكوري الديمقراطي (الذي تستضيف بكين اجتماعاته الدورية والطارئة، مروراً بالأزمة السورية والفيتو الصيني – الروسي المزدوج لثلاث مرات متتالية في مجلس الأمن الدولي ضد مشاريع قرارات أمريكية – غربية وتالياً إفشالها، وصولاً إلى الموقف المبدئي الصيني من مسألة الصراع العربي- الإسرائيلي، وفي الصدارة منه القضية الفلسطينية وحلها وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

نشير إلى هذه القضايا، ولا نغفل الدور المتعاظم للصين حزباً وحكومة، في التعاطي مع الأزمات الدولية، وبخاصة الأزمة المالية الأمريكية، ثم الدولية عامَيْ 2008 و2009 وتداعياتها، فضلاً عن سندات الخزينة المالية الصينية في الموازنة الأمريكية التي تجاوزت 700 مليار دولار وتبعاتها صينياً ودولياً.

وتواصل الصين تطوير إمكاناتها الذاتية، وتبعات هذا التطور دولياً، والذي بات العالم يقرّ به، ويعكس ذاته على كيفية تعامل الصين مع الإشكاليات المناطقية والعالمية، كذلك كيفية تعامل الآخرين مع التنين الصيني الناهض اقتصادياً وسياسياً ونتائجه الإيجابية على التوازنات الدولية، وخاصة موضوعة التعددية القطبية. وتنتظر القيادة الصينية الجديدة تحديات كبيرة تنموية وساخنة، يعزز حلها حضور الصين آسيوياً ودولياً، ويجنبها هزات لم تسلم منها الدول الغربية المتقدمة اقتصادياً.

العدد 1105 - 01/5/2024