قمة منظمة شانغهاي: توسيع العضوية وزيادة الفعل والتأثير

اختتم قادة منظمة شانغهاي للتعاون قمتهم الدورية السنوية في نهاية الأسبوع الماضي في العاصمة الصينية بكين، بتأكيد ضرورة تطوير أوضاع المنظمة ودورها، كذلك الأمور والقضايا المطروحة على جدول أعمال هذه القمة، وبخاصة الدور القاري- الدولي للمنظمة، كذلك الأمور التنظيمية وتوسيع عضويتها.

وتعد منظمة شانغهاي للتعاون إحدى أكبر التجمعات والروابط في العالم، وهي مشروع قطب قاري جديد، وضمت في صفوفها عام 1996 ما عُرف بـ«خماسي شانغهاي» (الصين، روسيا، كازاخستان، طاجيكستان، قرغيزيا). ثم جرى الإعلان رسمياً عن تأسيس منظمة شانغهاي للتعاون عام 2001 بعد انضمام أوزبكستان لعضويتها. وتمثل الدول الأعضاء فيها نحو 25% من سكان العالم، ونحو نصف سكانه بدولها ذات العضوية العاملة والمراقبة. إذ نالت عضويتها المراقبة منغوليا عام ،2004 كذلك الهند، وإيران، وباكستان عام ،2005 وتحتل مساحة سدس كوكبنا. وقد أنشئت المنظمة بعد استيقاظ «الدب الروسي» من سباته، إثر تفكك الاتحاد السوفييتي من جهة، وازدياد دور «التنين الأصفر- الصين» القاري والدولي اقتصادياً- سياسياً من جهة أخرى. وهدفت لدى تأسيسها إلى وأد أماني الولايات المتحدة والناتو في إيجاد موطئ قدم لهما على تخوم الصين وفي آسيا الوسطى، لاسيما في البلدان التي «استقلت» عن الاتحاد السوفييتي إثر تفككه، وبخاصة جمهوريات آسيا الوسطى السوفييتية سابقاً. كما أعلنت عن أهدافها في السنوات الأولى لتأسيسها، والتي تلخصت آنذاك في مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف والحركات الانفصالية، وفي التصدي لتجارة الأسلحة والمخدرات.

وينظر باهتمام إلى هذه المنظمة التي تضم في عضويتها «الصين وروسيا»، بوصفهما عضوين دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي، وأربع دول نووية «روسيا، الصين، الهند، باكستان».

وتواصل المنظمة منذ إنشائها عقد قممها الدورية السنوية، مرة كل عام، في إحدى الدول الأعضاء العاملة فيها. وأكدت في قممها المتعاقبة وبخاصة الأخيرة منها، ضرورة حل مشكلات القارة الآسيوية بالحوار، وليس بأي لغة أخرى، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية لأعضائها، أو في دول  القارة الآسيوية عموماً، في إشارة منها إلى ملف إيران النووي السلمي، وإلى الأزمة الداخلية السورية مؤخراً. وهذا ما يؤكد انتقال الحالة الآسيوية من مرحلة التباين والاختلاف (مرحلة التنافس الروسي «وريث الاتحاد السوفييتي» والصين) إلى مرحلة التطبيع والتعاون والتنسيق في القارة الآسيوية، وانعكاسات هذه الحالة القائمة على دور المنظمة والقارة الآسيوية عموماً. كذلك توسيع إطارها، وانتقال الدول الأعضاء المراقبة فيها، إلى العضوية العاملة، مما يساهم في تعزيز دورها في القارة الآسيوية وحل إشكالياتها، وفي تقوية حضور المنظمة قارياً ودولياً.

ورغم تباين النهج الاقتصادي – الاجتماعي لدولها، ما بين دول التوجه الاقتصادي المركزي الموجه، إلى الاقتصاد التعاوني المشترك، مروراً بدول اقتصاد السوق الحر، فإن الخطط والبيانات الصادرة عن قمم المنظمة، كذلك كيفية التعامل مع المشكلات الوطنية والقارية، وبضمنها القمة الدورية الأخيرة، تؤكد أنها باتت تمثل قطباً قارياً رئيسياً، وتالياً دولياً، يؤمن الاستقرار والتعاون في آسيا، وانعكاساته القارية والدولية، وبالتالي تبعاته على شبكة العلاقات الدولية القائمة، وكيفية تعاطيها مع الإشكاليات المناطقية والقارية والدولية.

فقد تجنبت منظمة شانغهاي للتعاون «دولاً ورابطة» الأزمة المالية الأمريكية، ثم العالمية عامَيْ 2008 – 2009 وتبعاتها، وتعتمد في نجاحاتها على قدرات وإمكانات دولها «ثروات طبيعية هائلة، مصادر الطاقة الاستراتيجية، تطور علمي وتكنولوجي، وقدرات عسكرية وبشرية، وسوق كبير»، وتبعات التعاون بين أعضائها على دورها الوطني والقاري، وتالياً الدولي. وهذا ما تؤكده نتائج تنسيق مواقف دول المنظمة في تعاطيها مع الإشكاليات الدولية، وطرحها «دولاً ومنظمة» ضرورات احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، واحترام دور المؤسسات الدولية وتفعيلها، وبخاصة الأمم المتحدة ومؤسساتها، بوصفها المرجعية الدولية الأولى المعنية بحل المشاكل والصعوبات المناطقية والقارية والدولية أيضاً.

بقي أن نشير إلى تزايد وتيرة التعاون بين دول المنظمة الذي أكدته القمة الأخيرة، وتأثير ثقلها وفعاليتها في شبكة العلاقات الدولية، وإلى دول المنظمة في العديد من الروابط والتكتلات القارية والدولية، وبضمنها «مجموعة العشرين الدولية، الثماني الكبار الصناعية»، وتبعات ذلك عالمياً، وخاصة على قارة آسيا وما تمثله من ثقل دولي راهن، يعكس وزن القارة وروابطها وبخاصة منظمة شانغهاي للتعاون من جهة، وقدراتها وإمكاناتها وفعلها من جهة ثانية.

ويظهر أن التعددية القطبية وفاعلية المجموعات الإقليمية والقارية في حل المشكلات المزمنة بالحوار والتعاون، قد بدأ يترسخ، ويضيّق الخناق على سياسات الاستقواء والهيمنة.

العدد 1105 - 01/5/2024