كي لا تبقى الاتفاقيات الدولية حبراً على ورق

كثيرة هي الاتفاقيات الدولية التي تتعلق بحقوق الإنسان والتي صادقت سورية على معظمها، وكذلك بعض الدول العربية. منها اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية السيداو (إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة)، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. فقد انضمت سورية إلى هذه الاتفاقية منذ عام ،1955 والاتفاقية الدولية لمنع الاتجار غير المشروع بالنساء، والبروتوكول الاختياري المتعلق بإشراك الأطفال بالنزاعات المسلحة ،2003 وكذلك المتعلق ببيع وبغاء الأطفال.. وغيرها كثير، لتكون من الدول الرائدة في التصديق على الاتفاقيات الدولية والانضمام إليها.


لكن على أرض الواقع وفي التطبيق نرى تجاوزاً واضحاً لبنود الاتفاقيات، والتي لا يمكن أن تسأل عنها الدولة السورية وحدها. بل هنالك الدول المصادقة على الاتفاقيات ذاتها، والتي يجب أن تتعاون فيما بينها لتحقيق بنود هذه الاتفاقيات كدول شريكة تسعى لتطبيق الاتفاقية وبنودها، لا أن تبقى حبراً على ورق، ومجرّد صورة جميلة تظهر بها الدول على أنها تضع في أوّلياتها الإنسان لا مصالحها الاقتصادية أو الاستعمارية..


وهنا تظهر أهمية رصد الانتهاكات لهذه الحقوق، لتعزيز مسؤولية الدول حيال التزاماتها. لكن هذا يبدو ضعيفاً ومحدوداً في الدول العربية، وذلك لأسباب عديدة، منها ندرة منظمات المجتمع المدني  المستقلة وخاصة في سورية، وبالتالي قلة عدد العاملين في هذا المجال والذين عليهم دور المراقبة لتقديم تقارير حقيقية غير خاضعة لأية وجهة نظر، إلا نظرة حقوق الإنسان. ما يعني الافتقار إلى المعلومات وانعدام البيانات التي من شأنها تأمين إجراء تحليل نوعي وكمي، والافتقار إلى الموارد البشرية والمالية وانعدام المهمة والرؤية الواضحتين لرصد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وانعدام الشفافية.


ما يعني أننا في مرحلة تحتاج إلى عمل دؤوب في تكوين الجمعيات والحملات لتعزيز حقوق الإنسان المعني الأول بكل ما يجري على الساحة، وخاصة الفقراء والمهمشين والمعوقين والأطفال والنساء. والمعرفة هي السلاح الحقيقي الذي تحتاجه هذه الجمعيات المنظمات. فمن المهم أن تكون وطنية محليّة تدرك أهمية هذا العمل، وأهمية أن تشرك فيه كل أطياف المجتمع بعيداً عن السياسة ووجهاتها، التي هي بالحقيقة تبتعد كل يوم عن هموم الإنسان. والرصد لا تبدو أهميته من كونه أرقاماً بل هو متابعة وإعلام وقضاء. فعندما ترصد انتهاكات لحقوق الطفل في مكان ما، وتوضع استبيانات واضحة بالحق المنتهك، وتبدو الحالات على العلن (مع حماية الخصوصية) تبدو المشكلة بحقيقتها، ويمكن الدفاع عنها من خلال الدستور والقانون الاتفاقيات. ودون هذا الرصد لن تتمكن تلك الجمعيات من التأثير على دولتها والدول المصادقة التي تنتهك أي حق من الحقوق.. وهنا لا بد من إعادة التذكير بحقوق اللاجئين السوريين المنتهكة في المخيمات، وضرورة مساءلة دول العالم عن هذه الانتهاكات رغم كل الاتفاقيات الصادرة والمعلنة.

العدد 1105 - 01/5/2024