الإمبريالية تزرع الأصولية

الحرب الفرنسية في مالي تتصاعد حدتها ونفاقها واضح. شنت فرنسا الحرب على مالي كي يدير المجلس العسكري الحاكم الحرب ضد الجهاديين،  وفي الوقت نفسه تدعم فرنسا الجهاديين في سورية من أجل إسقاط نظام علماني هنا. هذا يؤكد مرة أخرى حقيقة قديمة: (الإمبريالية ليس لديها أصدقاء أبديون  وليس لها أعداء أبديون، والمصالح فقط هي الأبدية).

ومع ذلك وبالتأكيد فكثيراً ما تتعرض قوى اليسار للترهيب من هؤلاء المجاهدين الملتحين وأجندتهم الرجعية المستوحاة من الشريعة الإسلامية. واضطهادهم للمرأة يثير لدينا الاشمئزاز.

وتكونت لدينا صعوبة في الوقوف ضد التدخل الخارجي الإمبريالي. بالتأكيد نحن ضد الحرب الإمبريالية. ولكن نحن أيضاً ضد الأصولية الدينية، وخصوصاً عندما يتخذ أشكالا سياسية، كما هو الحال في العالم الإسلامي.

ومن هنا من حيث المبدأ لا ننزلق في التحليل، فهناك ظلم الإمبريالية المهيمنة، الذي يجب أن يكون أساساً للتحليل. العالم الإمبريالي، والسويد هوجزء منه في استعباد الفقراء. وأوربا مُدانة لدورها في استمرار التخلف الاقتصادي والثقافي. هذا الظلم والتخلف أيضاً يشكلان قاعدة للأصولية الدينية. الأصولية المتنامية والاضطهاد الإمبريالي معاً.

العالم يعرف أن الإمبريالية خلقت تنظيم القاعدة أداة للحرب ضد النظام المدعوم من السوفييت في أفغانستان. لم يكن فقط أسامة بن لادن على قائمة رواتب ال CIA، ولكن أيضاً  Belmohktar، مشهور في كل أنحاء العالم، وهو المسؤول عن أزمة الرهائن في الجزائر.

هل يمكن أن نقول إن الإمبريالية خلقت الوحش الخاص بها على غرار (فرانكشتاين)، والذي سرعان ما تحول ضدها، لكنها ما زالت تستخدم ذلك الوحش حالياً في سورية.

ولكن من الخطأ القول إن نهج الجهادية الإسلامية هو مؤامرة إمبريالية. فظهور الأصولية الدينية له أسباب أعمق وأكثر تعقيداً من ذلك.

كان كارل ماركس، كما يعلم الجميع رجل حكيم، لذلك دعونا نستفيد منه لهذه القضية. problematize في صياغته الشهيرة، ماركس كتب ما يلي: (إن البؤس الديني هو تعبير عن البؤس الحقيقي في حين أنه الاحتجاج ضد هذا البؤس. (الدين هو تنهيدة المخلوق المضطهد، قلب عالم لا قلب له، وروح عالم بلا روح، يخلق ظروف الفقر).

 

»إنه أفيون الشعب«

التحليل النقدي لماركس على ما يبدوأنه يقول إن البؤس الحقيقي يخلق البؤس الديني، ويتدخل في حياة الناس ويقلبها إلى بؤس حقيقي،. وهذا أيضاً يعطي نتيجة مفادها أن (النضال ضد الدين هو ذلك النضال المباشر ضد ذاك العالم الذي هو (رائحته الروحية).

وقد كتب هذا منذ فترة طويلة ومعقدة كما قد تبدو لنا إلى حد ما، ولكنها لا تزال ذات صلة إلى حد بعيد بما يحدث حالياً في العالم الإسلامي. الدين في الوقت نفسه هو تعبير عن الاحتجاج ضد الدولة البائسة القمعية لأكثر من 100 سنة من القهر الإمبريالي، التي أنشئت على يد الدول الامبريالية.

أفغانستان هي مثال على ذلك. لأكثر من اثني عشر عاماً حاولت الولايات المتحدة بمساعدة دول معينة ومنها السويد، التي تمثل الحضارة الغربية، أن تقصف وتروّع هذا البلد الفقير – أو على الأقل أن تساعد في السيطرة الإمبريالية.

ومع ذلك كانت النتائج سيئة للغاية. حالة النظام الخائن في كابول الآن سيئة للغاية، والرئيس كرزاي حذر مؤخراً من أن خفض الوجود الأمريكي، المقرر القيام به في عام ،2014 سوف يؤدي إلى حرب أهلية، وعلى الأرجح أن تستعيد طالبان الحكم.

ويمكن إعطاء النتيجة. أنه لا يمكنك تفجير الوضع بعيداً عن الدين، وبالتالي تأسيس الأصولية الدينية. ( وما نحن بحاجة إليه هو التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تلغي حاجة الدولة إلى الدين باعتباره سعادة وهمية).

 وللإعادة اقتبس ماركس: (شرط أنه يجب عليها أن تعطي أوهاماً بشأن ما تقوم به، وشرط الإفصاح عن موقعها، وهذا الشرط أن يتطلب أوهاماً). لأنه من المستحيل أن تقوم الدولة الرجعية المستندة ببنائها على الإمبريالية بمصارحة الشعب وكشف حقيقتها وكشف الأوهام الدينية التي تستند إليها.

فالمرء ينبغي أن يكون دائماً من جانب واحد هو جانب الحقيقة.

نُموِّل القوى الإرهابية الجهادية حالياً في سورية المملكة العربية السعودية والدول النفطية الأخرى وجميع أنحاء منطقة الخليج، حيث العائلات المالكة الرجعية التي تستخدم الدين للسيطرة على شعوبها.

الشيء نفسه في مالي. هناك الجهاديون الذين قاتلوا في ليبيا، تسللوا من منطقة الشمال الفقيرة من البلاد، وجلبوا الخوف والمعاناة للسكان المحليين. وهذا شيء مؤكد.

قصف الطائرات الحربية الفرنسية هو القنبلة التي فجرت مالي من الداخل، وهي التي تخلق الجهادية المحتملة. بالتأكيد تستطيع فرنسا قصف مالي. إنه نوع من دعم النظام هناك. ولكن فقط في الوقت الراهن.

لأن فرنسا لديها ما يكفي، والولايات المتحدة متورطة في أفغانستان؟

وسورية بطبيعة الحال لها الحق في محاربة الجهاديين الذين تسللوا إلى البلاد بدعم من الإمبريالية وحلفائها الإسلاميين الرجعيين.

والحل في سورية بسيط.. إذا توقف تدفق الأسلحة للجهاديين، وهو الطريق التي تمهد لتسوية تفاوضية مع النظام في دمشق الذي فتح باب التفاوض.

أليس غريباً أن يعارض العالم الغربي مثل هذا الحل البسيط، ويفتح الباب لحمام دم بلا نهاية واضحة؟

إن التدخل المسلح الذي تقوم به القوى الامبريالية خلق البؤس للناس، وهو بؤس لا يمكن أن يكون عكس البؤس الديني الذي يعتبر الأساس المادي للعنف المسلح على الإطلاق. فالإمبريالية هي المشكلة، في مالي وغيرها من البلدان الفقيرة. وعواقب الظلم الإمبريالي من الفساد والفقر والعجز. إن الإمبريالية هي التي تخلق الوهم عند الناس بالسعادة الدينية الوهمية المليئة بالأفيون والخرافات.

(هكذا تبدأ الحرب ضد الجهادية الإسلامية في خط واحد مع النضال ضد الإمبريالية. بمعنى واسع إنها ليست مجرد قول حول التدخل العسكري).

(ولكن لمحاربة الإمبريالية في استغلالها البلدان الفقيرة في علاقاتها غير المتكافئة، والتي يقوم عليها النظام العالمي الامبريالي).

(ومكافحة الأصولية الدينية، من خلال التنمية الاجتماعية والتحرر الوطني، هي السلاح الوحيد الفعال).

الحزب الشيوعي السويدي

29/1/2013

العدد 1105 - 01/5/2024