شخصيات يقتدي بها بعض شبابنا:روبن هود.. وكوكو شانيل.. وسيرجي كورليوف!

كثيراً ما نسمع عن القدوة وأهميتها، ولكننا نقف حائرين ونتساءل: من هو قدوتي في الحياة؟ وما أهمية أن يكون لي قدوة؟ وما تأثير ذلك؟ إن هذا التساؤل نابع من عدم اختيارنا للمسار الذي سنسلكه مستقبلاً، وخاصة في ظلِّ مناهج دراسية لا تعمل على توجيه الطفل منذ الصغر نحو الإبداع والتميُّز. فمن الصعب أن يختار الإنسان قدوة له إذا لم يكن قد رسم طريقه وحدد أهدافه في الحياة. إن وجود القدوة في الحياة من الأمور المحفزة التي تجعل الإنسان يثابر حتى الوصول إلى الهدف الذي اختاره في حياته، مانحة إياه طاقة للإصرار على النجاح وتحقيق التميز في الحياة.

فالقدوة مثال حي يجسد القيم والمبادئ والمثل العليا والطموح والرغبة والأمل، وكل ما يتعلق بالمستقبل. ينظر إليها الإنسان باعتبارها مكانة يرغب في أن يصل إليها في المستقبل. وتختلف القدوة من شخص إلى آخر، فمنهم من تأثر بشخصية عاصرها أو شخص سابق تميز وترك أثراً في مجال عمله. فمصممة الأزياء عُلا اتخذت قدوة لها المصممة الفرنسية غبريلا بونهيرتشانيل (1883-1971) التي غيرت تاريخ الموضة في القرن العشرين، التي يعرفها الجميع باسم (كوكو شانيل)، التي امتازت بشخصيتها القوية، وتمكنت من إيجاد صوت للمرأة في وقت لم يكن لديها أي صوت، فأتى أسلوبها من الحاجة ونبع من التحدي.

وقالت: (غيرت شانيل أسلوب لباس المرأة المعقد والأثواب الكبيرة والعريضة، واستعاضت عنها بثياب مريحة في اللبس والحركة، محدثة ثورة في عالم الأزياء غيرت مظهر المرأة في العالم، وقد عزمت على تحطيم الصيغ القديمة واخترعت أسلوباً تعبر به عن نفسها). وتابعت تقول: (أنا معجبة جداً بشخصيتها وكلامها عن الأزياء، فما زلنا حتى اليوم نسمعه ونحسه. وقد وصل صوتها إلى كل أنحاء العالم، ومن أحب جملها على قلبي: لاتكمل الأناقة بأن نضع علينا ثوباً جديداً)..

ونبهت مصممة الأزياء عُلا إلى أن المقلدين لقدواتهم بالعادة لا يفلحون في أن يكونوا مبدعين في حياتهم، فمن شغل نفسه بتقليد غيره في الجزئيات لابد أن ينتهي به المطاف ليكون نسخة لغيره لا استقلالية له في الأساس. وقالت: (إن العظماء هم الذين يستفيدون ممن حولهم ويجمعون من صفاتهم ومن ميزاتهم وأخلاقهم وطباعهم الجميلة ليختاروا منها وينتقوا أفضل ما يناسبهم وأكثر ما يلائمهم، فتتشكل شخصياتهم بعد أن يأخذوا من كل قدوة شيئاً مفيداً).

وعن قدوتها في الحياة قالت الكاتبة إيلين الخوري: (أحب مدرستين في الأدب، الأولى مدرسة محمود درويش لإيمانه بقضيته ودفاعه الدائم عنها، وأسعى لأكون أكثر حرية منه. أما الثانية فهي مدرسة نزار قباني شاعر التمرد الذي ثار على العادات البالية، في عصر كان تناول المرأة في الشعر من المحرمات. فأنا نزار المرأة ودرويش القضية، وما زلت في بداية معترك حياتي. وشيء رائع أن نكتب ونعبر عن ذاتنا). وعن أسس اختيار القدوة قالت: (يجب أن يدرس الإنسان قدوته ويعرف كيف يختارها، فمن الصعب أن تختار قدوة لك في حياتك وتجعله نصب عينيك وأنت تخالفه في الكثير من الأمور، بل لابد أن تختار الشخصية الصحيحة حتى تكون دافعاً للتميز والنجاح).

وميزت الكاتبة الخوري بين القدوة والتقليد، قائلة: (ارتداء الملابس وتصفيف الشعر تشبهاً بمطرب معين أو لاعب مشهور ليس اقتداء وإنما تقليد، فالاقتداء بالأقوال والأفعال لا بالملبس والمأكل والمظاهر الخارجية).

ومن ناحية أخرى قال الطالب الجامعي دافيد: (منذ صغري كنت أعشق الفضاء،وقررت أن أصنع مركبة فضائية، فساعدني والدي وبدأ يحضر لي الكتب التي تتناسب مع عمري لأقراها. وأعجبت بسيرجي بافلوفيتش كوروليوف مخترع القمر الصناعي وكبير مهندسي الصواريخ ومصممها في سباق الفضاء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. بعكس نظيره الأمريكي فيرنر فون براون. كان دور كورليوف الريادي في البرنامج الفضائي السوفييتي محط سرية مطلقة حتى بعد مماته، وعرف في عمله في البرنامج بالمصمم الرئيس Chief Designer. والآن تخرجت في قسم الذرة، وأتابع دراستي، ومازال سيرجي كورليوف محفزاً لي لأتقدم إلى الأمام باتجاه تحقيق هدفي).

وفيما يتعلق بعلاقة الشباب مع القدوة قال دافيد: (لابد من وجود قدوة لكل شاب، فقد تكون مجموعة أفكار أو مبادئ أو قيم، والبعض يصنع من خياله قدوة، لأنه لا يجد من يقتدي به أحياناً). هذا ما أكده أيضاً الطالب في كلية الحقوق فراس الأحمد حين يقول: (تساعد القدوة على وضوح صورة المستقبل حسب طريقة تفكير كل شخص وإيديولوجيته وأخلاقياته وغيرها من الفوارق التي تتفاوت من شخص إلى آخر، وهي ضرورية، وعدم وجودها يؤدي إلى تشتّت الشاب أحياناً، إن لم يكن ضياعه في أحيان أخرى). وتابع يقول: (منذ صغري كان والدي المحامي قدوة لي، وأحببت المحاماة من خلاله، وأنا اليوم أسير في طريقي بسبب تشجيعه الدائم).

وبالنسبة للممثل الشاب جوني مهنا الذي اتخذ من روبن هود قدوة له، لما يشتهر به من شجاعة وفروسية، ولإسراعه إلى مساعدة المحتاجين ومناصرة المظلومين، قال: (أسعى لأن أتعامل مع الجميع بمحبة وأبذل جهدي لمساعدة كل الناس، ولكن المستقبل يقلقلني دائماً خوفاً من الفشل).

وعن سبب اختياره روبن هود قدوة له قال: (لأنه محبوب من الجميع، وذاع صيته بسبب خصاله الحميدة، على الرغم من المعاناة التي عاشها والتي تشبه ما أعانيه لإثبات نفسي). وعن اختياره قدوة له في التمثيل قال: (لأن الممثل هو فنان لكل الناس، وليس حكراً على فئة أو جماعة معينة. وكل من يتابع عمله يأخذ منه شيئاً).

وعن أهمية وجود القدوة أكد عدم ضرورة ذلك، وأنه قد يوجد أكثر من قدوة واحدة. وقال: (لا أعتقد ألا ينظر أحد بحماسة وشغف وطموح إلى شخص مهم ويتمنى أن يحقق ما فعله بحياته، كالحالم الذي يرى مستقبله أمام ناظريه في هيئة ذلك الإنسان، إما مثلها أو قريباً منها، وهذا ما يدفعه للتقدم نحو الأمام).

فقدوتنا في الحياة دافع للتقدم وحافز للنجاح، وهي عنواننا الدائم وطريقنا إلى القمة، من خلال محبة ذواتنا واكتشاف ما فيها من كنوز دفينة، ثم التوجه صوب التمييز وصولاً إلى ما رسمناه هدفاً لنا في مسيرتنا.

العدد 1105 - 01/5/2024