بذور الخير والشر والإنسان اللاعنفي

في داخل كل إنسان بذور للخير وأخرى للشر. أمّا بيئته ومجتمعه فهما اللذان يرسخانِ ويزهرانِ خصائلهما. الخيرُ معروفٌ بإيجابياته الكثيرة من محبةٍ ومساعدةٍ وألفةٍ وما شابه، أما الشرّ فهو أصلُ كلّ بليّةٍ وسبب كل ما نراهُ من عنفٍ في مجتمعنا اليوم. ولا يعني العنف بالضرورة أن يكون مقتصراً على القتل فقط، بل هو الأذى بأي شكل كان. ففي كتاب تحت عنوان  ( البحث عن مستقبل لا عنفي ) لـ مايكل ن. ناغلر.يقول:

 (عندما نُلحق الأذى بأي شخص آخر أو بأي جزء من محيط الحياة نكون عنيفين أيضاً، لكن العنف لا يأتي من عبث بل التعدي على نظام الأشياء هو وحده الذي يجعل البشر عنيفين أو غير عنيفين).

والقانون يقرُّ بأن إيذاء شخص لشخص، أو لشيء، مصادفة ليس عنفاً، حتى بالنسبة للكائنات البشرية. لكن أن يتسبب أحد الأشخاص بأذى لشخص آخر عن قصد، فعلى أحدهما أو كليهما القيام بما من شأنه محو ذلك الأذى، وحينئذ يمزّق العنف نسيج الحياة، لأن العنف الحقيقي لا يكمن في الفعل وإنما في النّية على الإيذاء ذاتها. ومنه نستدرك ما قاله الأنبياء والمفكرون عن صنيع النوايا وخطرها.

(الأذى الذي يسببه العنف يكون نفسياً أو روحياً إضافة إلى كونه مادياً وجسدياً). وهذا ما نراه الآن بسبب الأحداث المؤسفة، فقد ابتعد الناس عن الحقيقة الجوهرية ، وصاروا يأخذونه حجةً لأفعالهم. وظهرت أمراض نفسية للكبار والصغار. وأما الأضرار الأخرى فهي كثيرة ومرئية. وسنرى قريباً الكثير من مخلفات العنف الحاصل في بلادنا الآن، فهو سيخلّف عنفاً لا إرادياً، ومن هنا (فإن القول بأن العنف يُبرِز في العقل ما يخالف القول، بأن كل عنف له علاقة بإرادتنا الواعية. فهناك نوع من العنف نرتكبه دون أدنى وعي، إنما من الرغبة السلبية أو حتى اللاواعية في استغلال الآخرين).

طبعاً هناك أيضاً أنظمة مختلفة، اقتصادية وسياسية وغيرها، تساهم في زرع بذرة العنف في نفوس البشر. وهنا دور الإنسان اللاعنفي الذي عرّفه بوذا بأنه: (من لا يقتل ولا يتسبب في القتل. أي من لا يتعاون بصورة واعية مع أي نظام يؤذي الحياة. فالقضية الأساسية هي النّية. وهناك قول لاتيني: ما يتبدّى في النهاية للعيان كفعل كان في البداية مجرّد نيّة).

وطبعاً هذه النوايا التي تسبب العنف الحاصل ستكون مصيبة ومهانة للآخرين، وخاصة إذا كنا على علمٍ بنتائجها السلبية. ومن هنا يقول غالتونغ: العنف هو إهانة يمكن تجنبها بالقياس إلى الحاجات الإنسانية. ارتكاب إجهاد صادم حثّي بمعنى الأذى الذي نخلقه لأنفسنا عندما نؤذي الآخرين، حتى في وضع شرعي كالحرب.

  كل هذه التعاريف والدراسات والأبحاث تحلل أسباب العنف ونتائجه وكيفية تفاديه ليس بطرق صعبة وغامضة ومستحيلة الحدوث، إنما فقط بقليلٍ من روح الإنسانية التي يجب أن تُعلّم وتُدرّس وتُزرع في عقولنا.

الغاية هي : بناء الإنسان.

رولا عبدالله عبدوش

(*) التعاريف مأخوذة من كتاب ( البحث عن مستقبل لا عنفي ) لـ مايكل ن. ناغلر.

العدد 1105 - 01/5/2024