كان يا ما كان

(كان يا ما كان في قديم الأزمان)، جملة تبدأ بأخذنا إلى عالم من الصور والألوان وأزمان غير الأزمان. عبارة تبدأ بها قصص الجدات وحكاياتهن لنأخذ العبر منها مع متعة فن الإلقاء والشغف واللهفة، لتعلمنا الخير والسلام والمسامحة، وتدعمنا بالمكافأة الختامية للخير الحاصل من محبة الناس واحترامهم وتقديرهم، كلها دون أن يكون فيها أي نوع من التسلط أو الغش أو الخداع أو أي عنف وقتل. ومثالها حكايا الكرتون أيضاً: كقصص ساسوكي وسوبرمان ومجمل الحكايات العالمية، التي لا نرى فيها إلا المشاهد النبيلة والدفاع المستميت عن الحق والخير والأرض دون أن نرى أي عنف أو مشاهد مؤذية. فهي عبارة تحافظ على القانون وتحمي الأبرياء دونما قتل أو منفعة شخصية، فلا يستخدم البطل العنف مع الأشرار، ولا يسبب لهم أي أذى واضح، فإنه ينقضُّ على الأشرار ليدافع عن حق إنسان مظلوم، لكننا لا نرى إراقة لدماء ولا مشاهد جراح أو أذى فتتجمد مشاعرنا، بل نراهم فقط مرتعبين من البطل الجبار وهاربين من قوته، وبالوقت نفسه لا نرى البطل يتأذى بشكل كبير، أي بمعنى أن الحق حتماً سينتصر حتى ولو تعرض المدافع عنه لضربات خفيفة. ودائماً يكون وضع المجرمين في السجن هو النهاية السعيدة للقصة، ونحن لا نسمع أبداً بما يحدث لهم داخل السجن، فلا نرى خبثهم ونواياهم للانتقام من المجتمع وتحطيمه، ولا تخطيطهم للقضاء على البطل الذي أَوْدى بهم إلى حيث هم.

هي نتائج الخير التي نتعلمها، فلا نهاب قول الحق ومسيرة الصلاح، ولا نتشبه بالأشرار فإن نفوسهم تكون ضعيفة، وهم أناس يبتعد عنهم الآخرون ويكرهونهم وينبذونهم. أما إذا تابوا وعادوا إلى طريق الصلاح والخير فما لنا إلا أن نسامحهم بحب وترحاب ومسامحة كبيرة مع عطف لما مر بهم حتى صاروا أشراراً.

كم نحتاج الآن إلى جداتنا وأفلام الكرتون القديمة ليأخذونا إلى ذلك العالم الخيالي المنتصر دائماً على الشر وأساليبه، إلى ذلك العالم الذي يسوده الخير والسلام، فتنام عيوننا والسعادة تغمرنا، غير مهتمين بالغد الذي سيكون سعيداً حتماً لوجود أصدقائنا الشجعان، آملين بالغد الذي سيحمل لنا راحة البال وسرور الخاتمة، والمحمَّل بالأمل والعيش الهانئ.

نريد أن ننام بسلام ونحلم بالغد المزهر، نريد أن نتخيل الحب والرضا والقوة لا الضعف والغلبة والقلة، نريد أن نسافر بأحلامنا إلى الحقيقة الحلوة لا المرة، فنتجمل بزهور الطبيعة ونلعب بقوس قزح ونرتدي لباس القوة ويكون النجاح موطئ قدمنا، و بداخلنا ثقة بأن هناك من سيحمينا.. ويمدّنا بالقوة والحب، وأن يعود الذي كان من عالم الأحلام والحكايات.

العدد 1107 - 22/5/2024