الخجل… وتعزيز ثقتك بنفسك

جاء في تعريف الخجل أنه من أكثر الأمراض النفسية انتشاراً، وهو نوع من أنواع القلق الاجتماعي. وللأسف الكثيرون يعتقدون أن الخجل أمر طبيعي، ولا يمكن علاجه، ولكن هذا خطأ. فالخجل على مستوى الحياء يعتبر طبيعياً، أما إذا زاد الخجل وأصبح يؤثّر على شخصية الفرد وإنتاجه وقدراته على التعبير يصبح مرضاً.

إن ظاهرة الخجل ظاهرة طبيعية تبرز في فترات محددة من العمر تبعاً لظروف خاصة في حياة الشخص، ومن خصائص النمو الاجتماعي أن يمر الأطفال عموماً بفترة الإحساس بالخجل، إذ يحس المراهق بذلك بسبب بعض المشاعر التي يتعرض لها، والتي يمكن ربطها بالتغيرات الجسمانية التي تسبق فترة البلوغ والنضج نتيجة نشاط الغدد الصماء، مما يكون لهُ أثر كبير في زيادة الحساسية والخجل عند الشباب والمراهق بوجه خاص. التقينا بمجموعة من الشابات والشباب فصرحوا لنا عن الحالات التي يمرون بها، فكانت البداية مع الشابة هبة (خريجة اقتصاد)، التي حدثتنا عن مشاعرها في المرحلة الجامعية حتى الآن بالقول: إنني أعاني مشكلة نفسية لا أجد لها حلاً وهي الخجل في التعامل مع الجنس الآخر، شعرت بذلك بوضوح في السنة الأولى، عندما طلب زميلي في الكلية التعرف عليَّ بكل عفوية واحترام. فارتبكت وتركتهُ يتكلم وذهبت مسرعة. لكنَّ الموضوع لمْ ينتهِ. تضيف: عندما وصلت إلى البيت دخلتُ غرفتي وبكيت كثيراً، وعندما شاهدتني أمي بهذه الحالة أخبرتها بما حصل معي فقالت لي: حسناً فعلتِ يا صغيرتي! هكذا تفعل الفتاة التي تريد الحفاظ على شرف عائلتها. وأخبرتني كيف علمتها جدتي الحفاظ على نفسها وعلى شرف العائلة خوفاً من لسان الناس في حال كان لها أصدقاء من الجنس الآخر.

أما الشاب بسام (طالب سنة ثالثة علم اجتماع)، فقد أخبرنا بقصته قائلاً: إنني من أسرة محافظة، وليس لدي أخوات منذ الصغر، وليس لدي سوى أمي التي تقول دائماً:(عيب، حرام، بصير، ما بصير، خارج عن العادات و التقاليد، هذه الفتاة عاقة، و هذا الفتى متهور.. إلخ). ففي السنة الأولى عندما زارني مجموعة من رفاقي الجامعيين في المنزل، ورأت أمي كيف نتعامل بعضنا مع بعض بشكل عفوي وصادق، ما لبثت أن بدأت بمحاضراتها حول مفهوم القيم و الأخلاق، وهكذا خرج الأصحاب قبل أنْ ينهوا طعامهم، وأصبحتُ أضحوكة على ألسنة زملائي في الكلية.

بعد ذلك التقينا مع الاختصاصية النفسية سارة الحسن، التي حدثتنا عن أسباب الخجل والانطواء عند المراهق، فقالت: هناك أسباب متعددة لهذه الحالات ناتجة عن تربية الأهل من باب التملك، مما يؤدي بالضرورة إلى ردات فعل طبيعية، وهي حصيلة مرحلة معينة وأهمها: عجز الشاب عن مواجهة مشكلات المرحلة القادمة، وأسلوب التنشئة الاجتماعية الذي ينشأ عليه. فالدلال الزائد والقسوة الزائدة يؤديان إلى شعوره بالاعتماد على الآخرين في حل مشكلاته. لكن طبيعة المرحلة تتطلب منهُ أن يستقل عن الأسرة ويعتمد على نفسهِ، فيحدث صراع لديهِ ويلجأ إلى الانسحاب من العالم الاجتماعي، والانطواء والخجل عند التحدث مع الآخرين. تضيف:  ولعلاج هذه المشكلة ينصح بتوجيه المراهق بصورة دائمة وغير مباشرة، وإعطاء مساحة كبيرة للنقاش والحوار معهُ، والتسامح معهُ في بعض المواقف الاجتماعية، وتشجيعه على التحدث والحوار بطلاقة مع الآخرين، وتعزيز ثقته بنفسهِ.

إضافة إلى ذلك يجب العمل، من خلال التربية المدرسية، على التدريب بين الطلاب بالعمل بعضهم مع بعض بشكل فرق وورشات عمل، كي يتدربوا على التعاون والتشاركية، وهذا يعزز الثقة بالنفس بين الأقران والمقدرة على الابتكار والإبداع الحر الذي يخلق فضاءات واسعة.

العدد 1105 - 01/5/2024