القنوات التلفزيونية و«الربيع العربي»

Normal
0

false
false
false

EN-US
X-NONE
AR-SA

MicrosoftInternetExplorer4

/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”جدول عادي”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-priority:99;
mso-style-qformat:yes;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:11.0pt;
font-family:”Calibri”,”sans-serif”;
mso-ascii-font-family:Calibri;
mso-ascii-theme-font:minor-latin;
mso-fareast-font-family:”Times New Roman”;
mso-fareast-theme-font:minor-fareast;
mso-hansi-font-family:Calibri;
mso-hansi-theme-font:minor-latin;
mso-bidi-font-family:Arial;
mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

كان المشاهد العربي في التاسع من نيسان عام 2003 على موعد مع محاولات لإسقاط تمثال صدام حسين، الموجود في ساحة الفردوس في قلب العاصمة العراقية بغداد، من قِبل القوات الأمريكية التي دخلت العراق غازية.

فعلى مدى ساعتين وأربع دقائق بقي المشاهد مسمّراً أمام شاشة التلفاز متسائلاً: متى يسقط التمثال بعد أن عجزت الدبابة الأمريكية عن تدميره، لتتدخل إحدى آليات الرفع وتحطم التمثال. ونسي العرب خطورة سقوط بغداد بيد القوات الأمريكية. وبدأت القنوات العربية التلفزيونية  تتساءل عن دلالات سقوط التمثال، وهل هي مذكورة في النبوءات القديمة، أم أن للموضوع بُعداً قومياً، أو أن ما حدث هو مؤامرة من الصهيونية العالمية والماسونية الدولية وقوى الظلام السريّة لتدمير العرب وسرقة مقدراتهم بعد أن تكون هذه القوى قد حطّمت البوابة الشرقية للعالم العربي؟

لحظة سقوط التمثال قد تكون اللحظة التي أنهت قدرة القنوات العربية على تشكيل رأي عام عربي موحّد، متماسك وقوي، تجاه أي حدث يقع في العالم العربي أو يؤثر في مصير شعوب وسكان المنطقة، لأن هذه القنوات العربية قد عملت على تحويل عقل المشاهد العربي إلى غربال يتسرب منه في الليل ما يكون قد خزّنه في النهار من معلومات وآراء. ذلك أن القنوات العربية ركزّت على الصورة وأهملت المضمون، فكانت النتيجة أن المشاهد العربي اندمج بالمؤثرات والحركات والمشاهد التي تحاكي العاطفة وتخاطب الغريزة، وأهمل إعمال الرأي والتحليل والمناقشة. هذه العملية طُبقت بنجاح في (الربيع العربي)، فقد كان المشاهد العربي مدعواً على مدى أربع وعشرين ساعة متواصلة لمشاهدة مسلسل (الثورات العربية) في بث حي ومباشر، وما على المشاهد إلا أن يجلس أمام شاشة التلفاز ليكون مشاركاً بالنظر بعد أن تعذّر عليه المشاركة بالعمل.

كما الحكواتي في مقاهي دمشق القديمة، عندما كان يداعب خيال السامعين بقصص بطولات فرسان العرب ومغامراتهم لينقسم الحضور بين مؤيد لهذا البطل أو ذاك. وقد تنتهي بعض الأمسيات بمشاجرات، كذلك فعلت القنوات العربية عندما ربطت المشاهد العربي بقصص وحكايات فشدّت انتباهه وشغلته لأنها وافقت نزعة الموروث الشعبي لدى سكان منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط بغرامهم بالقصص والحكايات، وإيمانهم بنظريات المؤامرة الغامضة والشيقة. هذا الأمر بدا جلياً في (الربيع العربي) إذ استباحت القنوات العربية بتضارب القصص والروايات، حسب أهواء القاص والراوي، الرأي العام العربي على اختلاف توجهاته مما منعه من تكوين رأي واضح حول ما يجري، ومنعته من وضع تصور واضح للمستقبل الذي بدا شديد السواد.

ذلك أن القنوات التلفزيونية قدّمت الصورة على الفكرة، واهتمت بالمظهر وأهملت الجوهر، ونقلت الحدث مترافقاً بالكثير من المؤثرات وبالقليل من الحقيقة. ويوماً بعد يوم بدأت تحدث عملية تضخيم إعلامي مترافقة مع عملية شحن مذهبي وطائفي لمجابهة تواضع التأثير على الأرض، الأمر الذي فرض التكرار الذي أدى إلى إفلاس هذه القنوات وإصابة المشاهد باليأس والملل، والخوف والوجل، من الواقع الذي صورته له هذه القنوات.

وفي المحصلة نرى أن المناخ الذي ترافق مع ظاهرة (الربيع العربي) والدور السلبي الذي لعبته القنوات التلفزيونية في خلط الحابل بالنابل وصب الزيت على النار داخل مجتمعات المنطقة هيّأ الفرصة المثالية، التي قد لا تسنح إلا مرة واحدة، لعملية دق إسفين في المجتمعات العربية تكون بدايته عملية هدر الطاقات البدنية والعقلية لتتحول إلى عملية استنزاف الموارد المادية والبشرية، تؤدي في المحصلة إلى إغراق مجتمعات المنطقة في دوامات من الصراع.. على لا شيء. وليقطف ثمار هذه الصراعات القوى الطامعة بالسيطرة على موقع هذه المنطقة وخيراتها.

العدد 1104 - 24/4/2024