بأية حال جاء عيدكٍ

هذا العيد لم يكن ككل أعياد المرأة  التي تمرّ على النساء السوريات، فكل الأعياد كانت تمرّ وحقوقها لا تزال في المرتبة الثانية. وهي تناضل لأن تعترف الدولة بحقها كمواطنة مساوية للرجل في القوانين، وتطالب بأن يتم دعمها اجتماعياً واقتصادياً.  لكن هذا العيد جاء مختلفاً، جاء يحمل في طياته كل تراكمات الاضطهادات التي رافقت مسيرة المرأة، لتظهر نتيجة اضطهاد النساء لعقود طويلة جليّة للعيان. فطالما أكّدت المنظمات الداعمة لحقوق المرأة أنّ العنف على المرأة هو عنف على كل المجتمع، وانتهاك حق المرأة هو انتهاك لحقوق الأسرة كلها، وسينجم عنه مجتمع عنيف لأن دائرة العنف تستمر مع استمراره. فالمرأة المعنّفة ستربي أطفالاً بطريقة غير سوية، وسينمون أطفالاً معنّفين، وهم بالتالي سيكبرون ضمن تلك الدائرة التي تتوسّع ليبدو العنف المجتمعي واضحاً بين كل أفراده.

وعندما كانت تقارير التنمية تؤكد أن المساواة ليست ترفاً في المجتمعات، إنما هي شرط أساسي للتنمية، لم تكن تبالغ في ذلك التصوّر، لأن ما حدث في جزء كبير منه بسبب عدم المساواة. فعدم المساواة يعني مزيداً من الفقر والأمراض والعنف. فعندما ينتهك حق الطفلة بتزويجها باكراً، فإنّها ستخسر تعليمها، وستبدأ بانجاب الأطفال في سنّ مبكرة، قد يؤدي بها إلى إنجاب أكثر من عشرة أطفال، وستتراجع صحتها لأنها بدأت وهي لا تزال في طور النمو بالإنجاب وتتحمّل مشقّات الحياة الزوجية والأسرية من التزامات وأعباء تعانيها المرأة وحدها في أغلب الأحيان. ما يعني مزيداً من النمو السكاني  برعاية صحيّة أقل ضمن ظرف اقتصادي سيئ، ما يعني أيضاً زج الأطفال في سوق العمل غير النظامي، وفي بيئة اجتماعية غير سوية، ومزيد من الانتهاكات والتراكمات تؤدي إلى مزيد من العنف وخلق بؤر العنف. ضمن هذا السيناريو السيئ عاش كثير من أبنائنا، وظهر كثير من المشكلات التي تفاقمت وطفت على السطح خلال ما يحدث، لتبدو القوانين مشكلةً أساسية، إما في البنية أو في التطبيق. فلم تكن إلزامية التعليم ومنع التسرب المدرسي كافياً وحده، بل كان يحتاج إلى تطبيق جيد على يد لجان متابعة نزيهة. ولم يكن منع عمل الأطفال كافياً وحده، فكان يحتاج أيضاً إلى طرق تضمن جديّة تطبيقة. ولم يكن وضع سن لتزويج الأطفال كافياً وحده، بل كان يحتاج جزماً أمام المحاكم  وفي المجتمع لردع هذه الجريمة بحق الطفلات على وجه التحديد. وكذلك  الإرث الذي كانت العادات تحرم المرأة من إرثها برغم القانون. فقد كان يحتاج إلى مراقبة صارمة في السجلات ودوائر الدولة،  مع وجوب التعديل في كثير من القوانين وإلغاء بعضها، ووضع قوانين تليق بمجتمع مدني عصري يحترم حقوق الإنسان. فلا بديل عن المساواة بين المرأة والرجل، ولا عن حق المرأة بأن تكون مواطنة مساوية للرجل، وأن تتمتع مع الرجل بحق المواطَنة الكاملة. لأن ما حدث كان كارثةً على المجتمع كله، لكنه كان بالنسبة للمرأة مفجعاً، لأنها نالت مما يحدث نصيباً مضاعفاً بعكس كل حقوقها المنقوصة.

العدد 1105 - 01/5/2024