الموسيقا تنفخ الروح مجدداً في العراق

بدأ معهد (الدراسات الموسيقية) في بغداد ينتعش مجدداً، بعد الانحسار الملحوظ في أعمال العنف الطائفي التي كانت تجتاح المدينة والتي بلغت ذروتها بين العامين 2006 و،2007 الأمر الذي تسبب في ابتعاد العراقيين تماماً عن مجرد التفكير في دراسة الموسيقا في المعهد الواقع في منطقة السنك العراقية المزدحمة.

وفر غالبية الموسيقيين العراقيين الموهوبين في حقبة نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، خوفاً من التعرض للاضطهاد بسبب آرائهم السياسية، إضافة إلى قلة تمويل الحفلات الموسيقية، والتعرض إليهم إذا رفضوا تمجيد الزعيم العراقي (الأوحد) في أعمالهم الفنية.

وغادر موسيقيون آخرون العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لبلادهم في العام ،2003 هرباً من قنابل الموت المتنقلة يومياً. وأوصدت أماكن الحفلات، بعدما تعرض بعض الموسيقيين لتهديد من تنظيم (القاعدة) في العراق. ويعتزم بعض الموسيقيين بحذر شديد حالياً العودة إلى العراق لإعادة الحياة إلى التراث الموسيقي الثري في بلادهم.

ويقول مساعد مدير معهد (الدراسات الموسيقية) في بغداد حيدر شاكر حيدر: إن (الكثير من الأشخاص يحرصون على تعلم الموسيقا)، مضيفاً: إن (المعهد تراجع دوره بعد سقوط النظام ونتيجة الأوضاع الأمنية، خصوصاً أنه كان يقع في منطقة السنك الساخنة بفعل الاشتباكات).

وتمول الدولة معهد الموسيقا الذي تأسس في العام ،1970 لإغناء الموسيقا العراقية وتخريج موسيقيين متخصصين في التراث والتاريخ الموسيقي العراقي. ويتعلم الطلاب في المعهد دروساً موسيقية تتضمن العزف على الآلات الموسيقية العراقية التقليدية والمقام العراقي والأسلوب الموسيقي. وتشمل هذه الآلات السنطور والجوزة والقانون والعود والناي والكمان وغيرها.ويقول سامي نسيم، وهو مدرب آلة العزف على العود والعضو في اللجنة الوطنية العراقية للموسيقا والمشرف على فرقة منير بشير، إن (الموسيقا الفاسدة يقف ضدها الموسيقي الأكاديمي أو المحترف لأنه لا يريد انتشار هذه الأنواع من الموسيقا والترويج لها)، مضيفاً (هذه الموسيقا لا تمت بصلة إلى تراث بلدنا ولا تقدم بطريقة راقية. هذه موسيقا نشاز تخدش السمع والحياء).

كما يوضح حيدر أن (هناك جيلاً جديداً من المتشددين الذين يستهدفون الأشخاص الذين يمارسون الفن، الأمر الذي أدى إلى شعور الأهل بالقلق واتخاذهم قراراً بمنع ذهاب أطفالهم للتعلم في مدارس الموسيقا، خصوصاً الإناث من بينهم)، مشيراً إلى حصول بعض الهجمات على تلاميذ المعهد، إذ (كان التلاميذ يخبئون آلاتهم الموسيقية في حقائب بلاستيكية ليذهبوا إلى المدرسة).

وتعبر شهد جمال، وهي تلميذة عراقية تدرس العزف على آلة الجوزة التقليدية العراقية في معهد (الدراسات الموسيقية)، عن خيبة أملها (لعدم وجود الكثير من الإناث اللواتي يدرسن أصول العزف على الموسيقا). وتقول جمال إنها تتمتع بحظ وافر لأنها ابنة عائلة تحترم الموسيقا، مضيفة (أنا أشجع الإناث على تحدي العوائق الاجتماعية لأن الموسيقا هي غذاء الروح).

ولم يتمكن المعهد بعد من استعادة الزخم في عدد التلاميذ الذين سجلوا أنفسهم قبل العام ،2003 فقد كان عدد هؤلاء يتجاوز ال300 تلميذ وتلميذة.

ويقول حيدر: (آمل أن تسعى الحكومة العراقية إلى فتح المزيد من المسارح، وتروج للموسيقا لإعادة تأهيل القطاع الموسيقي الإبداعي)، مضيفاً: (كيف تخرج مبدعاً موسيقياً إذا لم تحتضنه الدولة!). ويؤكد أن (الدولة هي صاحبة الحل في تطوير المعهد وإعادة إعماره، وتمويل شراء المزيد من الآلات). يذكر أن العراق يتمتع بتاريخ موسيقي غني، إذ كانت الموسيقا تعزف بشكل تلقائي في بغداد القديمة، وكانت تقام أكثر من 12 حفلة موسيقية يومياً.

ويعول عاشقو الفن في العراق، على أن يصبح التلاميذ الذين يدرسون أصول العزف الموسيقي في معهد (الدراسات الموسيقية)، يوماً ما، من بين فناني المستقبل الذين يعيدون تدريجياً الموسيقا الحية إلى العراق.

العدد 1105 - 01/5/2024