نساء لاجئات… بين فقدان الخصوصية ومقاومة العنف

فتحت لي جهازها الخلوي تريد أن تريني شيئاً ما بعد أن وجدت فيها محاولة للتهرب من سؤالي (كيف أنت هنا)؟  كان جوابها طاعناً في الألم عندما فتحت لي فيديو مصوراً لمنزلها الذي أنهت للتو تجهيزه في التضامن قائلة: (قولي لي أنت، كيف تتوقعين أن أكون..) وهمهمت بعيد لحظات (الحمد لله.. عالأقل نحن ما زلنا على قيد الحياة، غيرنا ذهب بيته وأهله)!

وتحار الدمعة في عينيها من أي مكان تخرج وعن أي من الأحزان  تعبر، والحزن في قلبها كبير بحجم الحزن بوطن  لا يكفي معها الليل كله  لتفرغ فيه جام حزنها. في الجوار من غرفتها حاولت المرور بغرفة كانت مغلقة بستارة  من القماش، حاولت الاقتراب من الباب لطرقه. الأمر الذي أعاقني أن تلك الستارة  قد أغلقت من جميع الأطراف باستثناء الجزء السفلي وشيئاً من الأجزاء الجانبية. وكنت أحتاج لحني ظهري لأصل إلى الغرفة. وعندما سألتها: لماذا كل هذا التحفظ؟: (هنا لا نستطيع التحرك والباب مفتوح لما في الخارج من مارة. وهكذا أفضل، أضمن من أي عامل متطوع أو إداري ألا تسقط  عيناه في منتصف الغرفة لمجرد فتحي الباب). نعم.. ستائر الكون لا تكفي لسد عريها الداخلي بوطن.

وتكمل: لم أتوقع يوماً أن أصل إلى أن أتسول  مكاناً أقيم فيه. وأن يصبح تجهيزي  لمكان الاستحمام هو مشروع أسبوعي، لمجرد أن الحمامات قد تبعد عن غرفتي مسيرة 20 رجلاً وثلاثين طفلاً، عليهم أن يرقبوا حادثة دخولي إلى الحمام وخروجي منه؟! وتتابع أخرى كلامها بعد أن قطع كلامها غصة خنقت الكلام والأنفاس بحادث بكاء..

الأمر لم يكن مجرد تغيير منزل، وأن تعتاد على تقاسم العيش مع ناس قد يختلفون معك في كل شيء إلا شيء واحد وهو أنه مثلك مشرد.. الأوضاع أعقد من أن تفقد خصوصيتك فقط، بل تتعداها إلى ما سوف ينتج عن فقدان هذه الخصوصية… اجلسي هنا يوماً لتعرفي كم من الشجارات  تدور حول مسألة ما لي وما لغيري.. وكم من الشجارات على صعيد العائلة ذاتها، فزوجي غدا أكثر عدواناً وعصبية بسبب وبدونه، وأولادي تراجعوا  في دروسهم، وأنا لا أدري كم من الطاقة مازال لدي لأحتمل.

لم تكن الأشياء تتوالى عليهم، تتوالى كما تتوالى الأوجاع…. في عالمنا تتقاسم النساء الألم مضاعفة    مع الرجل، في الوقت الذي ما زالت تتقاسم التركة مناصفة في القانون!

هنا تنتهك المرأة عشر مرات، مقابل انتهاك واحد للرجل.

كيف تعامل  النساء مع واقعهن في التهجير.

حتى عندما تموت أن لا تختبر تجربة  الموت.. تختبرها عند الألم.. أو ليس الألم  بعضاً من رائحة الموت؟ تجيب الاختصاصية الاجتماعية أن العنف النفسي والاجتماعي واضح بين الأطفال، بين بعضهم. بينما يأخذ العنف النفسي النوع الأكثر رواجاً بين الكبار. ولا ريب أن هذا استجابة طبيعية منهم لوضع غير طبيعي.. فالسكن هو غرفة واحدة يشترك فيها أكثر من عائلة، وهذا يؤدي إلى فصل ذكور الأسرة عن نسائها حفاظاً على الخصوصية. لكن هذا يؤزم الوضع، فغياب الأمان هو السمة المميزة لضحايا التهجير. ونحاول هنا قدر الإمكان العمل على أن تكون كل عائلة مستقلة على الأقل سكنياً، لكن نظراً لازدياد عدد المهجرين وتوافد الكثيرين وقلة المصادر. لم يكن زوجي بهذه العدوانية  سابقاً، ورغم أن مشاكلي معه ليست وليدة اللحظة، ولا بد أن يقول عني الشيء ذاته، فأنا أصبحت أقل قدرة على التحمل من ذي قبل.

المشاكل النفسية الأكثر انتشاراً

تقول المعالجة النفسية رولا إبراهيم: تنزح المرأة وهي تحمل القليل من الثياب والكثير من الهموم، تحمل مشاكلها السابقة النفسية والاجتماعية والصحية لترزح تحت عبء جديد، هو عبء النزوح لتتفاقم هذه المشاكل وتضخمها.

منها: زواجها المبكر، وكثرة الأولاد، وتدني مستوى التعليم، وقلة الخبرات والمهارات.

يبدو عليهم العمر الزمني أكثر بكثير من العمر الجسدي.. وتكثر لديهن الشكاوى الجسدية ذات المنشأ النفسي، ويزيد من الضغط النفسي القلق على مستقبل العائلة وعلى مصير الرجال البعيدين: (زوج ينام في مكان العمل، أو ابن في الجيش..) إن لم يكن لديها حداد أو فقدان، وتدبير أمور الحياة اليومية إن كانت في مدرسة أو جامع. كل هذا، يزيد من نسبة العنف على أطفالها الذين يدفعون الثمن مرتين.

والحق يقال إن المرأة السورية (النازحة) أثبتت قدرتها على التكيف مع الوضع الجديد، وتحمل الصعوبات وحدها على الرغم من الضغوط والتحديات..

وتبذل جهداً جباراً للمحافظة على العائلة وتدبير نفسها وأولادها، حتى أهلها إن لم تكن متزوجة.

تحاول بعض المنظمات العمل معهن، لكن في الحقيقة يحتاجون  إلى دعم نفسي وتأهيل أكثر بكثير مما يقدم لهن ولأسرهن. تجيب الاختصاصية النفسية عن نسبة الحالات التي تعاني من مشاكل نفسية لها فتقول:  أغلبية الحالات هي حالات (اضطرابات الشدة ما بعد الصدمة)، وهذا يشمل الأطفال والبالغين على حد سواء.  يضاف إلى ذلك الاكتئاب الذي يقع في الدرجة الثانية،  ثم القلق بسبب الأزمات وما تولده من رضوض نفسية تشكل تربة خصبة لظهور الأمراض النفسية.

وعن عملها تقول: نركز في عملنا على التفريغ النفسي والدعم النفسي والاجتماعي والجانب الترفيهي بالدرجة الأولى.

نصائح حيوية للتكيف مع الواقع: الحفاظ على نشاطك اليومي،  مقاومة  الأفكار الاكتئابية، مشاركة الناس همومهم واستعراض تجاربهم ، التذكير كيف أنك مررت  بمشكلات في الماضي، وماهي الأساليب التي اتبعتها للتغلب وأعدت استخدامها ثانية..، تجنب العادات السلوكية  السلبية _إدمان المهدئات – الكحوليات – الإسراف في التدخين ، اعمل شيئاً يعطيك إحساساً في الإنجاز.

العدد 1107 - 22/5/2024