الأعياد مؤجلة.. إلى متى؟!

فرضت الأوضاع الأمنية القلقة.. واستمرار نزف الدماء.. وتدفق المهجّرين قسراً إلى الملاذات الأكثر أمناً.. وتواضع القدرة الشرائية، فرضت على السوريين الانكفاء في بيوتهم، وتأجيل احتفالاتهم بعيد الفطر حتى إشعار آخر.

هكذا تمارس الأوضاع الأمنية والسياسية تأثيراتها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.

ومع تأييدنا لجهود طاقم الحكومة الاقتصادي، الساعي إلى كسر الحصار الجائر الذي فرضه التحالف الدولي المعادي لسورية، وهذه الجهود تمثلت في الاتفاقيات الموقعة مع الجانبين الروسي والإيراني، لتأمين مستلزمات الإنتاج والاستهلاك، وفتح أسواق البلدين أمام المنتجات السورية، فإننا نرى أن حالة الركود التي يواجهها الاقتصاد السوري تتطلب، إضافة إلى الحلول الاقتصادية البعيدة عن رؤى أنصار اقتصاد السوق المحرر من جميع القيود، استقراراً داخلياً يسمح باستمرار عمل قطاعات الإنتاج العامة والخاصة، وتدفقاً سلساً للسلع بين المناطق والمدن، وقدرة شرائية ناجمة عن أجور عادلة تتيح للمواطنين تلبية حاجاتهم الأساسية من السلع والخدمات من جهة، وتؤدي إلى تحفيز عملية الإنتاج المتعدد، وزيادة الإيرادات الحكومية من جهة ثانية. لذلك طالبنا- وطالب غيرنا أيضاً- بضرورة العمل على وضع الحلول السياسية.. السلمية لإنهاء النزاع بين السوريين، الذي تحوّل بفعل التدخل الأمريكي الأوربي الخليجي إلى مواجهة عسكرية، عملت هذه القوى على تغذيتها بمليارات النفط والغاز والسلاح.. وبمجموعات (جهادية) تذبح.. وتحرق، بحثاً عن الطريق إلى (الجنة)!

لن ينتعش الاقتصاد ومصانعنا مهددة بالتدمير والحرق في هذه المدينة أو تلك.. ولن يجد المواطن ما يحتاجه في الأسواق في ظل استيلاء المجموعات المسلحة على قوافل السلع والمواد.. ولن نجد خبزنا إذا ما استمرت قرصنة هؤلاء على مطاحننا ومستودعات دقيقنا.

لن نكرر هنا ما قلناه.. وما اقترحناه على صفحات (النور) للخروج من نفق الأزمة العاصفة التي ضربت بلادنا، لكننا نؤكد هنا أهمية عامل الوقت.. فالإسراع في جمع كلمة السوريين بمختلف قواهم السياسية والاجتماعية والإثنية الرافضة للتدخل الأجنبي المتعدد الأشكال.. الواقفة بحزم ضد الأحقاد الطائفية البغيضة، يعني إيقاف النزيف الدامي.. وتقليص الخسائر، وتجنيب البلاد مخاطر حرب أهلية مدمرة، وفتح المجال أمام مصالحة وطنية قائمة على طيّ صفحة الماضي، والتطلع إلى المستقبل الديمقراطي العلماني الواعد، الذي تنتفي فيه هيمنة حزب.. أو فريق.

من يعمل مخلصاً لإنهاء أزمة سورية والسوريين يتوجب عليه -حسب اعتقادنا- سواء كان في السلطة أم في المعارضة الوطنية، أن ينظر إلى الحوار الشامل غير المشروط، على أنه المدخل إلى وقف نزيف الدماء، وعودة سورية إلى استقرارها المعهود، وعودة المهجرين إلى مدنهم وقراهم، وإعادة إنهاض الاقتصاد الوطني، هذا الحوار الذي سيفتح -حسب ما نرى- الآفاق أمام غد سورية الديمقراطي.

الخاسرون الوحيدون من تدمير سورية هم السوريون، الذين رفعوا بعرقهم.. وحكمتهم.. ونسيجهم الاجتماعي التعددي المتآلف، مداميك البناء عبر عقود وعقود، فلا يجوز في وقتنا الصعب هذا أن نغلّب شرعة البندقية على ما ورثناه من صبر وتعقل وحكمة.

إن المماطلة.. أو وضع الشروط على الحوار الوطني الشامل يعني التعنت، وتحديد المقاييس المسبقة الصنع يعني الإملاء، واستباق نتائج الحوار بأجندة مُعدّة من طرف واحد أو عدة أطراف، يتناقض مع الدعوة إلى الديمقراطية.. والتعددية.. والحوار.

هذا ما نراه طريقاً آمناً لحل الأزمة السورية.. لمصلحة جميع السوريين الذين يكتوون يومياً بتداعياتها الأليمة التي تتنوع بين القتل والخطف والتهجير والخوف والاعتقال والتسريح من العمل وركود الاقتصاد.

العدد 1105 - 01/5/2024