ليس بالمبادرات وحدها تحل الأزمة السورية

تعددت المبادرات والمقاربات الإقليمية والدولية بحثاً عن حل للأزمة السورية، والتقت كلها حول خطة المبعوث الدولي السابق كوفي عنان ذات النقاط الست، التي اصطدمت بإعاقة متعمدة غربية وخليجية،

وبتصعيد للأعمال الإرهابية في مدن سورية ومناطق محاذية للحدود مع دول الجوار، وبانتهاكات فظة للسيادة السورية ولميثاق الأمم المتحدة ولخطة عنان التي أقرها مجلس الأمن، تمثلت بتدخل سافر في الشأن السوري، وتصريحات بتسليح المعارضة وتدريبها ودعمها لوجستياً واستخبارياً، وبدفع مجموعات متطرفة مرتبطة بتنظيم القاعدة وبجماعات تكفيرية أخرى لعبور الحدود السورية، ومهاجمة التجمعات السكانية والمنشآت العامة والخاصة، وترويع السكان، والاعتداء على المقرات الحكومية وقوات حفظ النظام. وترافق ذلك مع تجييش إعلامي غير مسبوق ضد سورية، واتخاذ عقوبات اقتصادية عربية وغربية من خارج مجلس الأمن، في محاولة لإرباك الدولة السورية، وإضعاف قدرتها على حفظ الأمن وتأمين حاجات الشعب.

وقد تمكن الشعب السوري، بصبره وتفهمه لتعقيدات الأزمة، والجيش السوري بوحدته وصلابته في الدفاع عن هيبة الدولة وحدود الوطن وسيادته، من قطع الطريق على حسابات المتدخلين وهمجية الإرهابيين ورهانات المعارضات الخارجية المنشغلة باستدعاء التدخل الخارجي واستعجاله وبأوهام “سقوط قريب للنظام”، وبتشكيل حكومات لا علاقة لها بالشعب السوري، ولا تأثير لمن ينشغل بهذا الأمر على الأرض السورية.

وكان متوقعاً أن يسهم اتفاق جنيف بإحداث نقلة إيجابية في تنفيذ خطة عنان، لكن فريق الإعاقة سارع إلى التنصل من التزاماته وعطل الاتفاق، وهو الفريق الذي يضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وتركيا ودول الخليج.

إن صبر السوريين والحنكة المطلوبة من صانعي القرار في الجمع بين المرونة في التجاوب مع المبادرات السابقة أو المبادرات الجديدة لكل من إيران ومصر وللإبراهيمي، وبين الحزم في ملاحقة الإرهابيين ومنع تسللهم، وتجنيب السكان خطرهم، أديا إلى ازدياد قناعة دول وازنة ومجموعات قارية ودولية بضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية بعيداً عن التدخل الخارجي والمغامرات الأحادية الجانب.

وتسعى إيران، الدولة الحليفة لسورية في تيار الممانعة، إلى تقديم مبادرة جديدة خلال قمة عدم الانحياز التي تستضيفها طهران أواخر الشهر الجاري، وقد هيأت لإنجاحها اتصالات عديدة بأطراف الأزمة السورية في السلطة والمعارضة السلمية، وبالأطراف الإقليمية وبدول الجوار السوري. ويتوقع أن تستند المبادرة على خطة عنان، وعلى اقتراح آليات مرنة للتنفيذ، وتبديد أي تشدد آو تشكك لدى أطراف الأزمة التي تقبل المبادرة.

وطرحت مصر مبادرتها في مؤتمر التضامن الإسلامي الذي انعقد في جدة، وكلف الرئيس المصري محمد مرسي وزير خارجيته بإجراء الاتصالات اللازمة لعرض المبادرة.. وقد أبدت إيران ارتياحها للمبادرة المصرية. وسيسلم الرئيس المصري رئاسة حركة دول عدم الانحياز لإيران في قمة الحركة الخميس القادم. وقد يساعد الجهد المشترك لإيران ومصر في تذليل العقبات التي اعترضت مبادرات سابقة.

كما يسعى الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الدولي الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، إلى توظيف خبراته الدبلوماسية والعملية في مقاربة أزمات سابقة في عدد من البلدان، وتوظيف معرفته لتعقيدات المنطقة وخصوصيات الواقع السوري، لإعداد آليات مقاربة للأزمة، تساعد في حفز الأطراف والقوى المعنية بإيجاد حل سياسي في سورية إلى التعاون الجدي، والإقلاع عن تعمّد وضع العراقيل أمام أي مبادرة أو تفاهم، والكف عن وضع شروط أو إملاءات مسبقة، لأن ذلك سبَّبَ تعقيدات إضافية وزاد معاناة السوريين، وهدد المنطقة كلها بالانفجار.

ونعتقد أن غالبية السوريين، وبضمنهم الكثرة الصامتة، يريدون حلاً جدياً ومشرفاً لأزمتهم الخطيرة، ويثمنون الجهود المخلصة المبذولة من أي دولة أو مبعوث دولي، وهم يرقبون لحظة انفتاح أفق للحل السياسي كي يساهموا بآرائهم ومبادراتهم ونشاطهم المكثف في إنجاحه، ويقلقهم تصعيد وتيرة التهديدات الخارجية والتصريحات الأمريكية والفرنسية والتركية بدراسة إمكان فرض مناطق عازلة أو حظر جوي في سورية، وهي تصريحات عدوانية خطيرة تقتضي انتباهاً ويقظة واستعداداً للدفاع عن تراب الوطن وسيادته.. وحريّ بالمراهنين على انهيار الدولة والدور السوريين والخائفين والقلقين والذين نفد صبرهم أن يتفهموا تعقيدات الأزمة وأبعاد العدوان الخارجي العلني المحبوك بعناية، وأن ينهضوا لتحمل مسؤولياتهم السياسية والتنويرية والكفاحية التي عرف بها السوريون منذ قرن ونيف.

العدد 1105 - 01/5/2024