من الصحافة العربية العدد 589

لا حكومة إلا.. للحرب على سورية!

كل العيون في لبنان، الآن، على السعودية… والمملكة المذهبة، الآن، تكاد تُختصر، لبنانياً، في الأمير بندر بن سلطان. ولأن مجال حركة هذا الأمير الطيار واسع باتساع الكون، خصوصاً أنه مادام قد تفوق على ذاته كرجل مخابرات، وتفوق على أقرانه الأمريكيين في ترتيب الخطط العسكرية للحرب الكونية على العراق قبل اثني عشر عاماً، فمن الطبيعي ألا يشغل لبنان إلا حيزاً محدوداً من اهتماماته المتعددة الجبهات، وإن ظلت للبنان ـ في نظره، وفي هذه اللحظة بالذات ـ أهمية استثنائية مصدرها تداخل الحدود ـ في السياسة والأمن كما في الاجتماع والاقتصادـ بينه وبين سورية.

إن لبنان مهم لأنه يشكل قاعدة خلفية لمسرح الاهتمام المباشر للأمير الأسمر: الحرب في سورية وعليها… ومن هنا فلا بد أن تكون حكومته (صديقة) بل (حليفة)، وأن تتخلص من أسطورة (النأي بالنفس) لتكون جزءاً من (التحالف الدولي الجديد لتحرير سورية) من نظامها وجيشه وشعبها واقتصادها وزراعتها وتعليمها، فضلاً عن هويتها والدور الذي كان لها ذات يوم.

إذن، فلا بد من إعادة صياغة لبنان بحياته السياسية وشؤون اجتماعه بما يتناسب مع التبدل الذي حصل في موقع القيادة والتوجيه: لقد سقط (الوصي السوري) بأمنه وعسكره، وجاء المرشد السعودي ومعه السيف والذهب والقدرة على الحصول على التفويض الدولي الذي كان لدمشق ذات يوم مضى.

ولما كان لبنان هو بعض سورية، بل شقيقها الأصغر في نظر نصف أهله، ومنافسها إلى حد الخصومة في نظر النصف الآخر، فلا بد من الإفادة من موقعه المميز في المحاولة الجارية لإعادة صياغة سورية، كياناً جامعاً للأقليات القومية والدينية والطائفية، وبوابة للمخاطر والأمان في الجزيرة والخليج.

على هذا فلا بد أن يكون قرار لبنان في الرياض، تمهيداً لاستكمال (تحرير سورية من نظامها الدكتاتوري)، ومن تاريخها المصنع ذاتياً، ومن ادّعاءات الدور المميز في العمل الوطني والقومي، واستكمال تحويلها إلى أرخبيل من الجزر (اللبنانية) المتعددة الولاء عشائرياً وجهوياً وعرقياً، فضلاً عن الطائفية والمذهبية.

أليس ساذجاً حتى الغباء موقف أولئك الذين يتوقعون من السعودية أن تكون راعية (المصالحة الوطنية) في لبنان، بينما هي تريده شريكاً في الحرب على سورية وليس فيها، وهو أمر يرفضه مجمل اللبنانيين، بغض النظر عن بعض المزايدات المطلقة تأكيداً للولاء.. المذهب. إن السعودية، التي طالما اشتهرت بتحفظها وبحرصها على أن يظل دورها في الظل، قد خرجت إلى الحرب في سورية شاهرة ذهبها وسلاحها: فليس أمراً مألوفاً أن يستقبل ولي العهد السعودي، علناً، وفداً من ائتلافات المعارضة السورية الذي جاء يطلب السلاح والدعم السياسي… ولا هو بالأمر المألوف أن تبعث السعودية إلى القاهرة بتمني قادتها استقبال تلك المعارضة رسمياً (وبعد أيام قليلة من الإعلان عن تقديم 4 مليارات دولار إلى الحكومة الانتقالية التي جاءت بعد خلع (الميدان) الرئيس الإخواني محمد مرسي). إن المملكة قد خرجت على مألوف تقاليدها واندفعت إلى الحرب على النظام السوري بالأسلحة كافة، عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً، وبالذهب أساساً. بل إن المملكة التي اشتهرت بالصمت الأبيض والذهب الأسود قد شهرت الآن سيفها واندفعت إلى ميدان المواجهة مع النظام السوري، مع وعيها أن بعض نتائج هذه المواجهة ستكون تمزيق الكيان السوري وإسقاط الدولة الواحدة الموحدة، لحساب مجموعة من الكيانات العرقية والطائفية والمذهبية.. وبديهي أن تنسحب مثل هذه النتائج على أوضاع العراق،. وربما وصلت إلى اليمن. فهل من المنطق أو العقل أن تسعى السعودية إلى قيام حكومة وحدة وطنية في لبنان؟!

لقد جهرت السعودية بخصومتها بل وبعدائها لأكبر القوى السياسية المنظمة في لبنان، (حزب الله)، وقادت مجلس التعاون الخليجي إلى التلويح باعتباره (تنظيماً إرهابياً) وفرض الحظر على أنشطته كافة، ومطاردة بل وطرد كل من اشتبه بقربه أو تعاطفه أو تسليمه بالدور الوطني لـ(حزب الله) وبطولات مجاهديه في مقاومة العدو الإسرائيلي.

ولعل السعودية قد تبنت ـ عملياً ـ المقولة التي وضعت على لسان الملك الأردني عبد الله بن الحسين حول (الهلال الشيعي) وعكفت على محاصرة هذا الكوكب الجديد انطلاقاً من لبنان وصولاً إلى اليمن.. ومادام لا مجال لإقامة حكومة حرب ضد سورية في لبنان، في المدى المنظور، فلا حكومة في لبنان، ولا انتظام لعمل المؤسسات، ولا نهوض اقتصادياً، ولا فرصة لتأمين الجيش ضد الفراغ في مواقعه القيادية.

باختصار: لا دولة في لبنان حتى إشعار آخر. وصاحب الأمر بالإشعار أمير غامق السمرة يحاول إعادة رسم الخرائط في سورية ولبنان على الطريقة العراقية في ظل الحرب الأمريكية.

طلال سلمان

(السفير)، 22/7/2013

 

(حزب الله).. والأمر المشين

الجناح العسكري في (حزب الله) على اللوائح الأوربية للإرهاب! من الممكن الدخول إلى نقد هذا القرار من بوابة المعايير المزدوجة، أو على خلفية تعارض ذلك مع القيم الأوربية القائمة على حق الشعوب في مواجهة الاحتلال، أو من زاوية التحول الأوربي إلى الالتحاق بالسياسات الأمريكية والإسرائيلية، أو حتى من زاوية الخطأ في الحسابات السياسية من حيث توقيت القرار و تداعياته.

لكن بعيداً من كل ذلك، فإن الأَوْلى هو إجراء النقد، في هذا الخضم، من باب فهم أوربا لـ(حزب الله) وطبيعته. القرار في حيثياته يتجاوز الأخطاء المعهودة في التعامل الأوربي مع المقاومة إلى سذاجة في الشكل وسطحية في التصرف. والأمر برمته أقرب إلى الفضيحة الناتجة عن تسرع في الوصول إلى مطلوب ما، من دون أدنى تدبر والتفات إلى كيفية تحقيق ذلك. الأسرة الأوربية وضعت نفسها في خانة القاصر فعلاً عن فهم الحزب الذي اتخذته خصماً (إرهابياً)، أو في خانة المخادع الذي يتظاهر بالجهل تنفيذاً لأمر، حتى لو بدا اعتباطياً، إثباتاً لبراءة الذمة أمام واشنطن وتل أبيب. وفي كلتا الحالتين، الأمر مشين.

أولاً، لا فرق في (حزب الله) بين ما هو عسكري وما هو سياسي. هذا الكلام يهدف إلى توصيف واقع الحزب، ولا يراد منه تهفيت القرار الأوربي. يكفي أن ندرك أن كل فرد في (حزب الله) هو عسكري. بمعنى أنه يخضع لدورات عسكرية تدريبية معتبرة، ويشارك في المرابطة على ثغور المقاومة مشاركة دورية. وهو (الفرد) أيضاً أشبه بعسكري احتياطي من الممكن أن يستدعى في أية لحظة للقيام بواجب جهادي . وذلك سواء أكانت وظيفته الحزبية الأساسية سياسية، تربوية، إعلامية، اجتماعية، ثقافية، أو.

ثانياً، إذا كان القصد الأوربي بـ(الجناح العسكري) هو المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، فإن بنية الحزب كلها مركبة أصلاً على أساس أنه مقاومة في وجه الاحتلال. وهو منذ البداية حسم هويته ودوره عندما عرّف نفسه ب (حركة جهادية تتعاطى الشأن السياسي)، مقابل محاولات البعض تصنيفه بأنه (حركة سياسية تتعاطى الشأن الجهادي). فكيف يمكن للاتحاد الأوربي الالتزام بقراره، وفي الوقت نفسه التواصل مع الحزب، وفي الحزب قيادة عليا واحدة تسمى (الشورى) ويترأسها الأمين العام، وهي المسؤولة عن تشكيلات الحزب كلها وعن اتخاذ القرارات سواء منها المدني أو الجهادي؟

ثالثاً، من علامات التخبط في القرار الأوربي، حصر الاستهداف ب(الجناح العسكري)لـ(حزب الله)، علماً بأن العمل الجهادي في الحزب يتفرع إلى عسكري وأمني. لكن القرار لم يحدد ما إذا كان المقصود بـ(الجناح العسكري) هو (الجهادي) برمته أم أنه يقتصر على العسكري دون الأمني؟

رابعاً، كيف يمكن استهداف الحزب بـ(جناحه العسكري) وهو ليس حالة متعينة أو محددة. وهذا الأمر من أهم مصادر قوته. لذلك، عجزت إسرائيل عن القضاء عليه في الحروب. كما عجزت الدوائر الدولية عن ملاحقته في مسألة مثل المحكمة الدولية. وهو أصلاً ليس لديه أي حضور أو مصالح في أوربا بل على العكس لأوربا حضور ومصالح حيوية في محيطه.

لم تستطع أوربا معاداة كل (حزب الله)، بل اختارت معاداة بعضه. والحزب في حقيقته كل لا يتجزأ. ما يعني أن القرار الأوربي في ظل استمرار التواصل مع مسؤوليه ينطوي على الشيء ونقيضه. فعلى أوربا، والحال هذه، أن تختار بين معاداة الحزب كله أو رفع جناحه العسكري عن لائحة الإرهاب. فهو ليس منظمة (إيتا) في إسبانيا، وليس (العمل المباشر) في فرنسا، ولا (الألوية الحمراء) في إيطاليا، ولا حتى (الجيش الجمهوري الإيرلندي) في بريطانيا.. بل هو حزب المقاومة في لبنان.

حبيب فياض

(السفير)، 27/7/2013

العدد 1104 - 24/4/2024