حلف أمريكي تركي إخواني

هذا المشروع ليس بجديد تماماً، ولطالما دأب خبراء الشرق الأوسط في الخارجية الأمريكية يبحثون عن بدائل للسياسة الأمريكية المتبعة تجعلها أكثر قدرة على التكيف مع مستجدات المنطقة، بما يحمي النفط وإسرائيل، وهما هدفا الولايات المتحدة الأولان فيها. وربما لم تكن الظروف سانحة لإقامة هذا التحالف مثل ما هي عليه الحال الآن، فالمشروع الديني بجميع تجلياته يتقدم على أكثر من صعيد نتيجة عوامل عدة، ويجري منذ عدة سنوات إبراز الدور التركي بوصفه نموذجاً إسلامياً معتدلاً، قادراً على المواءمة بين مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وبين التراث الثقافي والديني لشعوبها.

وقد أطلق الرئيس الأمريكي (أوباما) إشارة البدء في هذا المشروع في خطابه الشهير في جامعة القاهرة غداة تسلمه زمام السلطة في الولايات المتحدة في أوائل عام ،2009 وحينذاك تكاثرت اللقاءات والحوارات المباشرة بين الإدارة الأمريكية الجديدة وبين جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الذين أعطوا (الوكالة) الحصرية للسير بهذا المشروع حتى نهاياته. وقد كانت ثورات الربيع العربي ضد النظامين المصري والتونسي محطة تاريخية فاصلة، إذ تمكن الإخوان المسلمون في مصر من سرقة ثورة كانون الثاني 2011 التي لم يشاركوا فيها في البداية ولعبوا على كل الحبال ومارسوا كل المناورات، والأساليب، وبضمنها تزوير نتائج الانتخابات للإمساك بالسلطة كاملة، وكان لهم ما أرادوا.

خطاب الرئيس المصري الجديد في مؤتمر عدم الانحياز الشهر الفائت، الذي فتح فيه النار من العيار الثقيل على سورية، يُعد محطة جديدة من محطات الركب السائر نحو ترسيخ التحالف التركي- الإخواني الذي بدأ يتخذ من القاهرة مركزاً للتآمر الرئيسي على سورية، ومن إسطنبول مركزاً لتحرك المجموعات المسلحة وقاعدة لانطلاق ألوف المتسللين والمرتزقين المجندين زوراً باسم (الجهاد) إلى الأراضي السورية التي يعيثون فيها قتلاً وتدميراً وفتنة.

ومما لا يدع مجالاً للشك أن ذلك كله، ونقصد به التحالف التركي الإخواني، لا يمكن أن يستقيم إلا بمباركة واشنطن، التي تتخذ لها خطاً الآن هو تكثيف وتوسيع دائرة الضغوط المتعددة الأشكال على سورية دون اللجوء إلى الهجمات التدميرية الشاملة على الطريقة الليبية، لأن ذلك يعني اندلاع نيران حرب إقليمية شرسة لا أحد يعلم عواقبها وتداعياتها وستبقى هذه الخطة معتمدةً لدى دول التحالف الأمريكي- الأوروبي- التركي- الخليجي، حتى انتهاء الانتخابات الأمريكية الرئاسية التي قد تعتمد خطة جديدة للتعاطي مع الأزمة السورية.

إن اختطاف ثورة 25 كانون الثاني (يناير) من قبل الإخوان المسلمين في مصر، وتمدد الفكر الأصولي الظلامي على أصعدة  عدة، لا يعني أن أمام شعوبنا العربية خيارين اثنين، إما استبداد الدولة الأمنية أو استبداد الدولة الدينية، فالخيارات والفرص الأخرى موجودة وليس على قوى التقدم والديمقراطية واليسار والعلمانية إلا التقاطها، والنضال لانتصار مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية، عبر الانتقال والتغيير السلمي.

العدد 1104 - 24/4/2024