المطبخ السياسي للأزمة السورية

 لم تتوقف ألسنة اللهب في موقد الأزمة السورية منذ عام ونصف. هناك من يرشّ البنزين، وهناك من يحاول إخماد النيران دون جدوى، بينما آخرون يستمرون في تصدير الإرهابيين والتكفيريين، وتدفق الملايين والمليارات وشراء ضعاف النفوس ب(ثلاثين من الفضة).

رحل عنان وترك مبادرته (البنود الستة) في المطبخ السياسي ووثيقة جنيف وكرسياً للسيد الأخضر الإبراهيمي، وفضاء تغطيه غيوم إقليمية ودولية متنوعة المصادر ومتعددة الاتجاهات. وظهرت مبادرات عدة (مصرية، إيرانية، عراقية، روسية)، ترتكز على قواعد متشابهة مستندة إلى خطة عنان، أبرزها: إيقاف العنف ونزيف الدماء والحفاظ على وحدة سورية وسيادتها، وتشكيل حكومة انتقالية تمثل جميع أطياف الشعب السوري، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية. وأكدت هذه المبادرات ضرورة إجراء حوار وطني شامل يضم القوى والشخصيات الوطنية وكل من يقف ضد التدخل الخارجي.

إن تعدد المبادرات والنوايا الجدّية للبحث عن الحلول السياسية للأزمة السورية، هو خطوة إيجابية وضرورية لتبريد الأجواء، وإخماد نيران المعارك الدائرة في المدن والقرى السورية، وإيقاف العنف والاغتيالات وعمليات الخطف وتخريب البنية التحتية، وإعادة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية إلى دورتها الطبيعية.

أصبح الحوار بعد تجربة عام ونصف من الخلاف والاختلاف بين المعارضة الوطنية والحكومة، والجلوس إلى الطاولة دون شروط مسبقة ضرورة وطنية وموضوعية، مدخلاً رئيساً لبحث الأزمة وما نتج عنها من خراب اقتصادي ومآسٍ وتدمير للبنية التحتية، ووضع الحلول السياسية لحاضر سورية ومستقبلها.

وكان إعلان هيئة التنسيق الوطنية التي تضم نحو عشرين تنظيماً وتياراً سياسياً، لعقد مؤتمر للمعارضة في دمشق بتاريخ 23 أيلول، أحد المؤشرات الإيجابية لاجتياز خندق الأزمة والخروج من هذا النفق المظلم، وهو يتلاقى أيضاً مع مواقف القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية في سورية، التي أعلنت عنها منذ بدء الأزمة (آذار 2011)، ولا تزال تشدّد عليها باعتبار الحوار الوطني الديمقراطي هو الحل الوحيد لتفكيك عُقد الأزمة، وتعزيز الوحدة الوطنية من خلال تشكيل حكومة تضم الطيف الوطني ومكونات المجتمع السوري كافة، ووضع برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي ثقافي، يحدد مستقبل سورية.. سورية الجديدة.. سورية الدولة الديمقراطية المدنية.

إن المعارضة الوطنية التي ترفض العنف والطائفية والتدخل الخارجي، ستعقد مؤتمرها أواخر أيلول، الذي يشكل بداية مرحلة سياسية جديدة في سورية، وخطوة هامة نحو عقد مؤتمر وطني شامل تنضوي تحت سقفه جميع القوى الوطنية والديمقراطية في البلاد.

وقد أصبح معروفاً لدى الجميع، أنه بعد كل مبادرة إقليمية ودولية يقوم الإرهابيون بالتفجيرات في سورية، ويذهب ضحيتها مئات القتلى والجرحى. والغريب في الأمر أن يمتنع مجلس الأمن عن إدانة هذه الأعمال الإجرامية، في الوقت الذي أدان فيه هجوم الإسلاميين في بنغازي على قنصلية الولايات المتحدة، الذي يصادف الذكرى الحادية عشرة لتفجيرات برجَيْ التجارة في نيويورك عام 2001.

إن الأزمة السورية كما يرى وزير الخارجية الروسي (باتت من القضايا الأشد إلحاحاً، ومن غير المقبول متابعة هذه الأزمة بلا مبالاة، – وهو يحذر- من يتدخل في النزاع السوري، ويدعم طرفاً على حساب آخر).

ورحبت دمشق بالمبعوث الأممي، الذي باشر مهمته قائلاً: إن الأزمة السورية تتفاقم وتزداد تعقيداً. وأجمعت تقارير أن اللقاء بين الإبراهيمي ووزير خارجية قطر في القاهرة وصل إلى حالة التوتر والصدام، بسبب رفض الإبراهيمي الإملاءات القطرية، وكذلك حدث خلاف حاد أيضاً، بينه وبين المسؤولين الفرنسيين للأسباب ذاتها. والإبراهيمي يعرف مهمته جيداً، ويعرف دوره دون وصاية أو توجيه من أحد، خاصة من أطراف مباشرة لها دور في إمداد الجماعات المسلحة بالمال والسلاح وأجهزة الاتصال الحديثة (قطر والسعودية) وممن يدعو إلى التدخل العسكري.

العدد 1104 - 24/4/2024