البابا بينيديكتوس السادس عشر: انبذوا الفتنة وعزِّزوا الشراكة!

جاءت زيارة البابا إلى لبنان لتعيد إلى الأذهان من جديد قيم المحبة والتسامح والعيش المشترك على أرضية الاختلاف والتنوع، وتأكيد المشترك الإنساني والوطني: العقد المشترك الذي يجمع بين أبناء الوطن الواحد، ويشدّ حبال التواصل بينهم وبين بني جنسهم على أية أرض كانوا، بغض النظر عن اللون والعرق والدين والمذهب، بعد أن كادت أفكار التعصب والأصولية أن تسيطر عليهم.

ما أجمل أن يحب الإنسان أخاه الإنسان لمجرد الشراكة في الإنسانية! وما أبهى أن نتحلى بالسماحة والقدرة على المغفرة.

صحيح أن الشراكة الإنسانية والوطنية لا تقومان إلا على أساس من العدل والمساواة الكاملة في الحقوق والواجبات تجاه الأوطان ونحو الإنسانية، وعلى الخيارات الحرة دون إكراه، ولا يتسنى ذلك إلا بنبذ التطرف والتعصب والانغلاق كيفما تجلّت وأية أثواب اكتست.

تلاقي أصداء خطاب البابا في بيروت استجابة من رجال الديانتين المسيحية والإسلامية، إذ لا يمكن لدين سماوي أن يدعو إلى قتل الإنسان، كما لا يحق لملّة أو طائفة أن تنكر حق الطوائف الأخرى في حرية الاعتقاد وممارسة الطقوس.

العيش المشترك وخطاب المحبة والتسامح والسماحة ليست جديدة على مجتمعنا ولا دياناتنا التي انطلقت من أرضنا، مجسدة تطلعات شعوبنا إلى الحرية والعدالة وإعلاء الحق ومواجهة الباطل.. وتمكين الحوار وتعزيزه الذي لا يقوم إلا على أساس من حق الاختلاف والبحث عن نقاط الالتقاء ودوائر التقاطع بين الأفكار والمعتقدات ووجهات النظر والرؤى.

ليكن خطاب المحبة والحوار ونبذ الأصولية غايتنا وهدفنا، ولنجهز أنفسنا فعلاً لا قولاً لممارسة قيم التسامح والمحبة بين أبناء الوطن الواحد على اختلاف دياناتهم وطرائق تفكيرهم، فليس ثمة طريق يقود إلى سلامة الوطن والمواطن إلا الحوار ونكران الذات والترفع على الصغائر والارتقاء إلى مستوى المسؤولية التاريخية التي يفرضها سير الأحداث والأخطار المحدقة بأبناء المنطقة.

في هذه الظروف العصيبة ما أروع أن يتداعى رجال الديانات في سورية إلى الاجتماع، وإصدار بيان مشترك يحرّم دم السوري على السوريين، ويشجب العدوان الخارجي، ويدعو إلى الحل السياسي طريقاً وحيداً للخروج من الأزمة الدامية.

العدد 1104 - 24/4/2024