الحشود التركية لن تعيق مسيرة الحلول السياسية

تسارعت الأحداث المتصلة بالأزمة السورية وتنوعت، ودخلت عوامل تصعيد إضافية أوربية وتركية، تمثلت في تهديدات أوربية بعقوبات إضافية، وتلويح بتسليح المعارضة، وبتصعيد عسكري تركي، وتقديم أسلحة دفاع جوي نحو الحدود السورية التركية، وبإعلان لقيادة »الجيش السوري الحر« أن قيادته انتقلت من تركيا إلى الداخل السوري عند المعابر.

كما حاولت السعودية وقطر اللتان اختطفتا الجامعة العربية، والأمين العام للجامعة نبيل العربي، الضغط على الأخضر الإبراهيمي، لكن المبعوث الخاص للأمم المتحدة اكتفى بالاطلاع على حقيقة الأوضاع داخل سورية، وفي مخيمات النازحين السوريين في الأردن وتركيا، وأخَّر إعلان خطته لبلورة حل للأزمة حتى انعقاد مجلس الأمن أواخر الشهر الجاري.

ويتصل بعوامل التصعيد استمرار الضغوط الأمريكية والتهديدات الإسرائيلية ضد إيران، وإجراء مناورات عسكرية إسرائيلية في الجولان السوري المحتل لتهديد سورية ولبنان وللمقاومة اللبنانية، ولمحاولة عزل سورية وإرباكها في معالجة أزمتها، ولزيادة حدة التوتر في المنطقة التي تستشعر دولها مخاطر تداعيات هذه التصعيدات على مواطنيها.

وتصطدم عوامل التصعيد هذه بحراك واسع دولي وإقليمي وداخلي، يسابق الجهات التي عملت على نشر الفوضى، وتغطية الأعمال الإرهابية، وإعاقة جهود البحث عن حلول للأزمة، ويسعى إلى جذب بعض الأطراف العربية والإقليمية نحو المشاركة في جهد جماعي يلاقي الجهود الدولية التي تعهدت بدعم مساعي الإبراهيمي، والتوافق على حل سياسي للأزمة يتم بتوافق السوريين، دون تدخل خارجي، واستناداً إلى مبادرة النقاط الست ولاتفاق جنيف وقرارات مجلس الأمن والاقتراحات التي سيعدها المبعوث الدولي في نهاية جولته الاطلاعية.

وأولى أنشطة الحراك الإقليمي انعقاد اجتماع الرباعية  الخاصة بالأزمة السورية المكونة من مصر والسعودية وإيران وتركيا في القاهرة، وتغيبت السعودية عن الاجتماع، لكن نتائج الاجتماع بحسب التصريحات الصادرة حوله كانت إيجابية. وقد اقترحت إيران إشراك العراق وفنزويلا في اللجنة لتفعيل عملها. ويمكن أن تعقد اللجنة اجتماعاً آخر على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وجاءت تصريحات الرئيس المصري مرسي بعد اجتماع اللجنة مختلفة عن خطابه في قمة عدم الانحياز أو في الاجتماع الوزاري العربي الأخير بالقاهرة، وقد ظهر في المناسبتين أقرب إلى موقف قطر والسعودية، أما موقفه الأخير فمرده إلى اتصالات دولية وحقائق على الأرض داخل مصر وحولها وفي المنطقة. إذ قال: إن مصر ليست طرفاً في الأزمة السورية، لكنها طرف فاعل لإنهائها، وإن جهود الرباعية ستستمر لوقف نزيف الدم في سوية، وأردتُ أن تكون إيران طرفاً في حل الأزمة السورية، لأنها لاعب أساسي في المنطقة.

وبالتوازي مع نشاط الرباعية وجولة الإبراهيمي، برز موقف لافت في العراق ولبنان والأردن، يتصل بضبط حدود هذه الدول مع سورية، ومنع تهريب السلاح أو عبور المسلحين، والإعلان رسمياً عن خطوات ملموسة في هذا الشأن.

وواصلت روسيا والصين وإيران حث المعارضة السورية السلمية على الدخول في حوار مع الحكومة لوقف العنف والبدء بعملية سياسية. واستقبل مسؤولون في هذه الدول وفوداً من أطياف المعارضة في الداخل والخارج، وحثوا المعارضة المسلحة على وقف عملياتها واللجوء إلى الحوار، ولكن هذ الأخيرة رفضت هذه الدعوات، لأنها مرتهنة لأطراف خارجية وإقليمية لها أجندات ومصالح خاصة، ولا تملك قرارها المستقل. ودعت روسيا إلى استضافة مؤتمر للمعارضات السورية، وبدء حوار شامل يفتح أفقاً لحل الأزمة، ويوقف العنف الذي يهدد بالتمدد إلى المنطقة بأسرها.

وشكل انعقاد مؤتمر لائتلاف هيئة التنسيق في دمشق الأحد الفائت، بادرة طيبة، من حيث تسهيل انعقاده وتوفير أمنه، وبحضور سفراء روسيا والصين وإيران وسفراء عرب، ولجهة النتائج التي توصّل إليها، وهي وقف العنف، ورفض التدخل الخارجي، ودعوة الموفد الدولي الإبراهيمي إلى عقد مؤتمر شامل للمعارضة السورية لا يستثني أحداً، وبضمن ذلك »الجيش الحر« الذي عُدَّ »استخدامه السلاح دفاعاً عن النفس«.

وقبيل انعقاد مؤتمر هيئة التنسيق، أعلنت مجموعات معارضة أخرى، انسحب بعضها من هيئة التنسيق، وائتلف بعضها الآخر في تجمعات جديدة، نيتها عقد مؤتمرات لها في دمشق، ودعم الحراك السلمي لحل الأزمة، بينما ندد »الجيش الحر« بمؤتمر دمشق، ورأى فيه »خدمة للنظام الذي يسعى إلى إسقاطه«.

ونعتقد أن إطلاق حوار جدي على أرض سورية، وتجاوب أطراف عديدة مع هذا التوجه يعدّ خطوة إيجابية، تلاقي التحول النوعي في موقف بعض الأطراف الإقليمية في »اللجنة الرباعية ودول الجوار السوري«، وفي الاتصالات الدولية المكثفة داخل دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، والساعية لتثبيت مرجعية لحل سياسي للأزمة من خلال السوريين أنفسهم، استناداً إلى خطة النقاط الست واتفاق جنيف، وإقرار آليات تنفيذٍ لها تحترم سيادة سورية وحرية قرار شعبها، وتوقف تمرير السلاح والمقاتلين إليها من كل شاكلة وجنسية، دون أي اكتراث بما أقره المجتمع الدولي من ضرورة تضافر جهود الدول جميعها لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.

وبرغم تحفظنا الذي أبديناه أكثر من مرة على طريقة تعاطي المعارضات السورية مع الأزمة لجهة التنصل من الحوار، أو إدارة حوارات في العواصم العربية والأجنبية، أو لجهة استبعاد هذه القوة السياسية أو تلك، أو لطريقة تفسير أسباب العنف وتحميل المسؤولية عنه ل»النظام السوري وحده«، وعدم الاعتراف بوجود جماعات تكفيرية شهد عارفون كثيرون بأنشطتها الإجرامية وسلوكها التخريبي والدموي، فإننا نرى في الخطوة الأخيرة نقطة تحوّل تستحق الاهتمام الجدي والملاقاة من جانب الحكومة السورية والقوى السياسية الحريصة على وحدة الوطن وأمنه وسيادته، وحل أزمته بالتوافق المسؤول، الذي يؤمن الانتقال إلى دولة تعددية ديمقراطية دون أي تدخل أو وصاية، والحرص على ثوابت سورية المتصلة بتحرير جولانها، ودعم ممانعتها لمشاريع الهيمنة على المنطقة.

العدد 1104 - 24/4/2024