جهود سلمية جديدة ومظاهر توحي بالأمل

إنجاح مهمة الإبراهيمي يحد من العنف  دعم المعارضة الوطنية لتوحيد صفوفها

بدأت (المرحلة الثالثة) من النشاطات التي تجري تحت مظلة الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية التي تزداد تعقيداً، وكانت المرحلتان السابقتان قد تمثلتا ببعثة الفريق (الدابي) وبعثة كوفي عنان، وبخطته الشهيرة التي رسمت ملامح خريطة طريق لحل الأزمة، والتي يمكن تلخيصها بنقطتين جوهريتين هما: وقف العنف، والبدء بحوار سياسي بين السوريين.

ومعروف تماماً أن فشل هاتين المحاولتين يعود إلى سببين اثنين:

أولهما: السعي الأمريكي المحموم للانفراد بالحل خارج أطر الشرعية الدولية، وفرض المزيد من العقوبات ضد سورية تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وثانيهما: المجاهرة الأوربية والخليجية بتمويل المجموعات الإرهابية المسلحة وتسليحها، وبزيادة أعداد المرتزقة والمتسللين ووصول الرقم إلى الألوف.

وكان من الطبيعي بعد إفشال الجهود السلمية ارتفاع منسوب العنف الدامي ليحل محل لغة الحوار والدبلوماسية.. لذلك فإن دول التحالف الغربي وشركائهم في تركيا والخليج العربي تتحمّل مسؤولية كبيرة أمام التاريخ عن دماء السوريين المسفوكة وعذاباتهم الأليمة.

ونحن اليوم أمام استحقاقات مرحلة جديدة من الجهود الدبلوماسية يقودها الأخضر الإبراهيمي، وقد أعلن فيها أن مهمته هي استمرار للخطة السلمية لسابقه كوفي عنان. يتطلع شعبنا الجريح إلى أن تحمل له هذه البعثة بعض الآمال بقرب الوصول إلى حل سياسي للأزمة.. ولكن ذلك مرهون أساساً بالتخلي عن غطرسة القوة والكفّ عن التدخل الأجنبي الإجرامي من وراء حدودنا، والتوقف عن الوهم بإمكان حصول تفوق عسكري ضد سورية.

ومع اعتقادنا أن أداء سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً سورياً أفضل كان يمكن تحقيقه في الصراع ضد المجموعات المسلحة الإرهابية ومن هم وراءها من الدول، لو جرى تجنب بعض الأخطاء والتجاوزات الأمنية، ومنها القصف العشوائي، ولو جرى تفعيل وإحياء النشاط والمؤسسات السياسية في البلاد، ولو بدئ بتحقيق تغيّرات في العقلية التي لم تتغير كثيراً حتى بعد صدور الدستور. وإن سورية رغم ذلك قد أبدت صموداً يُعتدّ به تجاه التحالف الأمريكي الأوربي الخليجي التركي الذي انقض عليها دفعة واحدة، بكل شراسة، فإن أمامها الآن مهمة أكبر، فالتوازن العسكري يجب أن يبقى راجحاً لمصلحة الوطن، والحل السياسي يجب أن يُباشر به فعلاً لا قولاً.. والمبادرة تلو المبادرة يجب أن تصدر من جانب الدبلوماسية السورية، فإذا فشلت الواحدة تليها الأخرى، وهكذا. إن هذا النهج الذي هو الجمع الخلاق بين جميع أشكال الوقوف بوجه العدوان، وخاصة السياسي منها، ليس دليل ضعف، بل دليل قوة، لأن النقطة المركزية في سياسة الدول المعادية الآن هي تدمير سورية الدولة والوطن، وإن لم يتحقق لهم ذلك فسيلجؤون إلى إضعافها واستنزاف مقومات صمودها. ثمة ظواهر جديدة الآن يجب الوقوف عندها، مثل تزايد مبادرات المصالحة الوطنية في عدة محافظات، الأمر الذي يقطع الطريق على تحويل الأعمال الإرهابية إلى فتنة طائفية أو مذهبية أو أهلية، وكذلك ظهور تجمعات متزايدة في المناطق الساخنة تدعو إلى طرد الإرهابيين والمسلحين منها، والحيلولة دون تلطّيهم وراء السكان وتحويلهم إلى دروع بشرية. ومن أهم الأمثلة أيضاً تزايد عدد القرى والمناطق التي تنادي بالحلول السياسية، ووقف سفك الدماء السورية، وتعزيز المصالحات الوطنية، ونبذ الروح الثأرية والانتقامية، والجلوس إلى طاولة الحوار الوطني الشامل، لرسم معالم سورية وطرق انتقالها انتقالاً سلمياً نحو الديمقراطية والدولة المدنية، وهو ما عبرنا كما عبرت عنه مبادرة هيئة التنسيق الوطنية للتغيير وقوى وطنية أخرى، التي دعت إلى عقد مؤتمر عام لكل القوى الوطنية المعارضة التي تنطلق من دمشق عاصمة الوطن الحبيب، لا من مقاهي وفنادق البلدان الاستعمارية والتابعة. إن السوريين ينظرون بأمل كبير إلى هذا المؤتمر، لأن مجرد انعقاده تحت رايات (لا للتدخل الأجنبي، ولا للعنف والعنف المضاد، ولا للطائفية، ولا للاستبداد) يعدّ في حد ذاته اختراقاً مهماً للمخطط الكبير لتفتيت الوطن، ودليلاً على تصميم السوريين جميعاً على بقاء سورية شامخة ومعافاة ومرفوعة الرأس.

العدد 1105 - 01/5/2024