في الملتقى السياسي لتحالف أحزاب الجبهة والقوى الوطنية والتقدمية

نمر: يجب أن يدرك الذين يسيرون في خط العنف أن طريقهم مسدود

 

 عُقد في فندق داما روز بدمشق يومي الاثنين والثلاثاء ملتقى لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وممثلي قوى وطنية ونقابية حليفة، تحت شعار (الحوار السياسي والمصالحة الوطنية ومكافحة الإرهاب سبيلنا إلى استعادة الأمن والاستقرار). وإقامة الملتقى جاءت في الذكرى ال39 لحرب تشرين الوطنية، والذكرى الأربعين لتأسيس الجبهة.

حضر الملتقى الأمناء العامون لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، والقوى الحليفة ورؤساء الاتحادات النقابية والمهنية، ووفود من القيادات السياسية والنقابية، ومن المفكرين والكتاب والإعلاميين.

ألقيت في الجلسة الأولى كلمات الأمناء العامين لأحزاب الجبهة: صفوان قدسي، فايز إسماعيل، وصال فرحة بكداش، غسان عبد العزيز عثمان، عصام محايري، حنين نمر، أحمد الأحمد، فضل الله نصر الدين، أحمد عثمان.

وقدمت مداخلات من الأعضاء المشاركين والمشاركات ركزت على إزالة أسباب الأزمة، وإنجاز إصلاح سياسي حقيقي، وتوسيع الحوار الوطني وصولاً إلى حل سياسي يوقف العنف، ويستأصل الإرهاب والفساد، ويمنع التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للوطن.

وتضمنت المداخلات توصيفات للأزمة وتداعياتها ومخاطرها، وللضغوط على سورية لإلغاء دورها وتفكيك وحدتها، وخدمة المشاريع الساعية للهيمنة على المنطقة. كما أوضحت الاصطفافات الإقليمية والدولية التي نتجت عن هذه الأزمة، وتأثير تداعياتها على مستقبل العلاقات الدولية.

واقترح عدد من المداخلين أفكاراً تتعلق بآليات تحقيق شعار اللقاء وإنجاز الحوار السياسي والمصالحة، وإخراج سورية من الأزمة بوحدة منيعة. ومن المتوقع أن يصدر عن اللقاء بيان ختامي يتضمن أبرز الاستنتاجات والخطوات الضرورية للتحرك في المرحلة المقبلة.

 

 

  ألقى الرفيق حنين نمر، الأمين العام للحزب الشيوعي السوري (الموحد)، كلمة في الملتقى هذا نصها:

أيتها الأخوات.. أيها الإخوة!

بالأمس، يوم 6 تشرين الأول، هبّت علينا نسمات حرب تشرين المجيدة من جديد، فأنعشت فينا الذاكرة الوطنية والقومية، وأعادت إلينا صورة الأمة حين تنتفض، مدافعة عن كرامتها، وعن حقها في الوجود، وعن أرضها الطيبة الطاهرة.

إننا نحتاج إلى أن تبقى روح تشرين فينا، لأنها الدلالة على أن الشعوب حين تمتلك إرادتها الحرة، قادرةٌ على أن تصنع المعجزات.

لقد حكم الصراع العربي – الإسرائيلي المنطقة منذ النشوء الاغتصابي لدولة إسرائيل عام ،1948 وهو صراع يلخص كل الصراعات في المنطقة، فهو يمثل بالدرجة الأولى صراعنا ضد الهيمنة الإمبريالية على ثرواتنا وعلى أراضينا، ودورنا التاريخي ومصير أجيالنا.

لقد أدركت القوى الوطنية العربية هذه الحقيقة الكبرى، فامتزج نضالها الطبقي والوطني والقومي والديمقراطي امتزاجاً عضوياً بنضالها ضد الهيمنة الإمبريالية الأمريكية والأوربية، وضد اغتصاب فلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني.

ومنذ الخمسينيات من القرن الماضي وسورية منخرطة في هذا الصراع، وتحبط المؤامرة تلو المؤامرة عليها، فما وهنت وما استسلمت. ومن منا لا يتذكر تآمر الرجعية الأردنية والعراقية في ذلك الوقت، ومن منا لا يتذكر الحشود التركية على الحدود السورية حين هبَّ الصغار قبل الكبار لحفر الخنادق لصد أي هجوم تركي على حدودنا.. ويحدث أن يعيد التاريخ نفسه..

إن سورية التي وقفت ضد الرجعية العربية، وضد التفريط بفلسطين، وضد اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، والتي دفعت الثمن ألوفاً من الشهداء للدفاع عن لبنان.. سورية التي لها حصة كبيرة في تحرير الجنوب اللبناني عام 2000 وفي صد عدوان تموز عام 2006 على لبنان وفي مساعدة المقاومة الوطنية اللبنانية.

سورية هذه، تتعرض اليوم إلى ما كانت تتعرض له في القرن الماضي، فالحشود من كل جانب، والحصار من كل جانب، والتهديد والوعيد من كل جانب، والاغتيالات ونسف البنى التحتية وتخريب المنشآت والخطف وقطع الطرق يضرب في كل مكان، ويتساقط المئات من الشهداء والجرحى، وتسيل دماء الأبرياء، وتتحول الساحات إلى ميادين قتال، وتصبح الحدود السورية مع بعض دول الجوار بوابات مفتوحة لتسلل آلاف المرتزقة من بنغلاديش وأفغانستان والباكستان وتونس وغيرها ممن أعمت عيونهم الجهالة والتعصب الوحشي الذي يحلل الذبح وتقطيع الجثث، وذلك إضافة إلى الكثير من المواطنين الذين انساقوا وراء بعض المحرضين في الداخل والخارج، فانخدعوا ببعض الشعارات البراقة التي تخفي وراءها أهدافاً خبيثة.

وإلى هؤلاء نقول نعم، لقد أخطأ النظام في العديد من القضايا، ومنها إهمال المطالب الشعبية المحقة، ذلك الإهمال الذي أدى إلى تراكم الاستياء الشعبي من الحكومات المتعاقبة. كما نقول نعم أخطأ النظام في السير وراء أفكار الخصخصة وإهمال القطاع العام والزراعة والصناعة، وتحويل الاقتصاد إلى اقتصاد ريعي. كما أخطأ النظام أيضاً في عدم توسيع قاعدة المشاركة في الحكم، وفي التضييق على الديمقراطية وفي احتكار السلطة، وقد نبهنا كثيراً في حزبنا: الحزب الشيوعي السوري (الموحد)، وكذلك القوى الوطنية والمنظمات الشعبية، إلى هذه الأخطاء ولم يجد استجابة كافية في الوقت المناسب. ولكن الطريق إلى تصحيح الأخطاء والاتجاهات السلبية الضارة في الحكم لا يمر عبر الدم والاغتيالات، إنما عبر الطرق السلمية التي أجازها الدستور الجديد وقانون الأحزاب وغيره. ويجب أن يدرك الذين يسيرون في خط العنف أن طريقهم مسدود، ودون أفق. وقد يستطيعون تخريب الكثير، ولكنهم لا يستطيعون قلب الطاولة على الدولة، والجهة الوحيدة التي ستدفع الثمن من دمائها وأرزاقها هي الشعب وحده.

لقد فتحت أبواب الحوار على مصاريعها أمام المعارضة الوطنية غير المرتبطة بالخارج، وأمام هيئات المجتمع، ولا يوجد مبرر في السياسة للقول إننا لا نثق بهذه الجهة أو تلك، فالمسألة ليست حالة نفسية، إنها مصير شعب، ولا يمكن وضع شروط مسبقة أمام الحوار الذي يعلو على كل شيء آخر.

إننا من أبناء هذا الشعب الذي يملأ الشوارع بدمائه، فمن منا لم يُستشهد له قريب أو حبيب أو عزيز، نتيجة قصف عشوائي أحياناً، أو نتيجة تفجير أعمى.. ولكن هل نريد مزيداً من الدماء؟

إنه من غير المفهوم أبداً محاورة كل العالم، وألا نحاور بعضنا بعضاً في الداخل.

لقد توفرت أسس ملائمة لمباشرة الحوار الداخلي، وهي اللاءات الثلاث: لا للطائفية، لا للعنف والعنف المضاد، لا للتدخل الخارجي. ومنهم من يضيف إلى هذه الأسس أساساً رابعاً هو: لا للاستبداد. ونحن نعتقد جازمين أنه لم يعد من الممكن العودة إلى ما كان سابقاً، وستعبر سورية بالتأكيد إلى رحاب المجتمع التعددي، ولكن ذلك يتطلب التخلص من الكثير من الأساليب والعقليات البيروقراطية. فقد تؤدي الاشتراطات المسبقة للحوار إلى نوع آخر من أنواع الاستبداد. وواهم كل الوهم من يظن أن كل ما كان في الماضي يمكن أن يعود ثانية.

لقد آن الأوان لأن يبدأ الحوار الداخلي، ونحن قد استبشرنا خيراً بالمؤتمر الذي عقدته هيئة التنسيق في دمشق، برغم التحفظ على بعض النقاط فيه، والذي مع ذلك يجب أن يستكمل وتتابع خطواته وفق خطة جنيف، لكن أي حوار لا يمكن أن يكون مجدياً والأسلحة والمرتزقة يتدفقون إلى بلادنا يومياً؟

إن التدخل الخارجي هو العقبة الكأداء أمام أي حل سياسي لأزمة البلاد، ويجب أن نضع أيدينا بأيدي بعضنا بعضاً لمنع التدخل الأجنبي المسلح، ولعزل معارضي الخارج الذين لا يخجلون ولا يهتز لهم ضمير وهم يستدعون الجيوش الأجنبية لتدمير بلدهم، وسنرى كيف نستطيع أن نحل أزمتنا بأنفسنا، كما سنرى أن الطريق سيصبح سالكاً أمام مصالحة وطنية شاملة بروح الأخوَّة ونبذ الكيدية والانتقام، ولتعود سورية آمنة مستقرة وقلباً نابضاً للعروبة.

العدد 1104 - 24/4/2024