عولمة المنظمات غير الحكومية هل ستنسحب إلى بلادنا!

لم يقتصر نشاط المنظمات غير الحكومية التنموية في العالم على الأعمال الإنمائية الأساسية كالصحة والتعليم وتوفير الحاجات الإنسانية، فها هي ذي منذ نحو أربعة عقود بدأت تهتم بقضايا عالمية، مثل البيئة والعدالة الاجتماعية والمرأة وحقوق الإنسان، والعمل على نشر القيم الديموقراطية. وهذا يعود إلى التزايد العددي الهائل في عدد المنظمات غير الحكومية. ففي إحصائية عام 2003 في الولايات المتحـــــدة الأمريكيــــــة كان يُرخّص فيها يومياً لـ 200 جمعية تعمل في القطاع الخيري وينتظم في هذا القطاع قرابة أحد عشر مليون موظف بصفة دائمة.

وبسبب التنوع في الوظائف والأدوار والأنشطة الإنمائية التي تضطلع بها المنظمات غير الحكومية في العالم أخذت دورها في المشاركة في صياغة الرأي العام العالمي وتشارك بكثافة في نشاطات وبرامج المؤتمرات العالمية، بدءاً ببروتوكول عام 1987 المتعلق بثقب الأوزون، ومؤتمر البيئة بريو دي جانيرو عام 1992 إلى مؤتمر القاهرة السكاني عام ،1994 ثم مؤتمر المرأة عام 1995 ببكين، وغيرها، وأصبحت تلك المنظمات مصدراً هاماً لجمع المعلومات واستطلاع الرأي العام العالمي. فمنظمة العفو الدولية مثلاً، التي تعمل في 162 دولة، تمتلك معلومات عن هذه الدول التي تعمل فيها وتقدم المعلومات لجميع الباحثين والراغبين في ذلك، وكذلك (مجموعة الأزمة الدولية) و(الشاهد العالمي) حيث تنشر تقارير مفصلة تحمل آراء ذات وجهات نظر مختلفة من أماكن تسودها الحروب أو الكوارث الطبيعية.

لكن هذا التطور لنشاطات الجمعيات غير الحكومية كان نتيجة عمل دؤوب لأكثر من قرنين من الزمن في العالم. فقد بدأت بها على شكل أعمال وجمعيات خيرية محدودة المسؤوليات والإمكانات، وبفضل التدريبات والجهود المكثفة وإيمان الدول المتطورة بأهمية هذه الجمعيات والمنظمات بصفة مستقلة عن الحكومة لها مواردها الخاصة، احتلت حيزاً مهماً من الثروة الوطنية في البلدان الغربية وقدّمت خدمات اجتماعية نوعية كثيرة في مجالات حيوية عديدة، كالصحة والتعليم والبحث العلمي والتنمية المحلية وغيرها.

وبالنسبة إلى البلاد العربية فقد بدأت الجمعيات مع بداية العشرينيات من القرن الماضي لتتخذ بداية شكل تنظيمات وجمعيات خيرية بدافع الخير والإحسان، واستجابة لظروف محلية وإقليمية، إذ ساهمت هذه المنظمات في تقديم مساعدات اجتماعية وصحية وإنسانية.

وفي الستينيات بدأت تلعب دوراً بارزاً في الحياة الاجتماعية والثقافية والإنسانية، وتطورت من حيث الخدمات والاختصاص، لكن بقي هذا القطاع يواجه معوقات تحول دون قيامه بدوره كأحد الفاعلين في عملية التنمية، أهمها القوانين. وهذا ما تعانيه سورية منذ أن تغيّر قانون الجمعيات في الخمسينيات على زمن الوحدة بين سورية ومصر، وأصبح يحوي بنوداً قانونية تعيق نمو وتطور تلك الجمعيات بصيغة بعيدة عن الجمعيات الخيرية، لنلمس تزايد عدد الجمعيات الخيرية مقابل ندرة الجمعيات التنموية. إذ لم يسجل أي ترخيص مثلاً لجمعية تعمل على قضايا النساء مستقلة عن حزب سياسي، أو بعيداً عن العمل الخيري، بل سحبت التراخيص من الجمعيات القائمة، كجمعية المبادرة الاجتماعية، وقد عمل الناشطون في الحراك المجتمعي منذ نحو عقد من الزمن على وضع دراسة لقانون جمعيات يدعم التنمية والاستقلالية والليونة في إجراءات الترخيص والتخفيف من الرقابة. لكن إلى اليوم ما زالت تلك الدراسة قيد التنقل من درج إلى آخر على أمل التصديق عليها.. ومازال الانتظار لفسح المجال أمام الأجيال القادمة في سورية لتعمل بحرية في العمل التنموي توازي ما وصل إليه العالم.

العدد 1105 - 01/5/2024