القذيفة التائهة

عبرت قذيفة عمياء الحدود التركية، كادت أن تؤدي إلى حرب حدودية تركية – سورية، ربما تخرج من إطارها الحدودي وتطول دول الجوار، وأن تحدث زلزالاً يهدد أمن المنطقة واستقرارها- حسب تصريحات مسؤولين أمريكيين وأوربيين. لكن هناك في المقابل من عمل على تهدئة الأجواء المتوترة، لتجنيب المنطقة حرباً شاملةً تحرق تاريخها وحضارتها، وتهدد العيش المشترك بين شعوبها.

وهناك من زاد الطين بِلة، ومن صبّ البنزين على حطب الأزمة، وأراد أن يفتح نافذة جديدة للهجوم على سورية، إذ يرى أنها السبب في زيادة التوترات على الحدود. وهذه رؤية محدودة بزاوية مرسومة مسبقاً، الهدف منها تشويه الموقف السوري والإعلان عن اعتذار الحكومة السورية بشكل رسمي، كسبق سياسي – إعلامي. ولم يميز هؤلاء (شيوخ السياسة والعدوان) بين (الاعتذار والتحقيق). وكان وزير الإعلام قد أكد أن الجهات السورية المختصة تحقق في مصدر النيران التي أطلقت على الأراضي التركية، وتبحث هذا الأمر بشكل جدي. وأن سورية تحترم علاقات الجوار مع الدول المجاورة، مجدداً دعوة كل الدول إلى ضبط حدودها ومنع تسرّب الإرهابيين إلى سورية.

إن قذيفة تائهة (عمياء)، ربما تكون جهة ثالثة أطلقتها بهدف زيادة التوتر بين الدولتين، علماً أن تركيا لم تغلق أبوابها ومعابرها الحدودية أمام الوافدين الإرهابيين من العرب والأجانب ومختلف أنواع الأسلحة، وإقامة معسكرات التدريب لهم ثم إرسالهم إلى سورية. وتشكل أيضاً ملجأ للفارين والمنشقين من الجيش العربي السوري. وفي الوقت نفسه تتجاهل تركيا وحلفاؤها الدوليين والإقليميين ما يجري من أعمال إرهابية يومية. وجاءت إدانة مجلس الأمن لتفجيرات حلب متأخرة، هذه التفجيرات التي ذهب ضحيتها المئات بين شهيد وجريح.

 

لقد خفّت حدة التوترات الحدودية ونجحت مساعي التهدئة التي قامت بها إيران وروسيا. وأعلنت روسيا أنها ستصوت ضد أي قرار يقضي بتدخل عسكري أو إدانة لسورية، وأنها تقف ضد أي تدخل خارجي على الأراضي السورية، لأن ذلك سيكون أشبه بحرب في منطقة الشرق الأوسط. وتقترح موسكو إصدار قرار ملزم من مجلس الأمن الدولي حول سورية على أساس بيان جنيف.

ومن الطبيعي جداً أن تتكرر مثل هذه الأحداث بين الدول المتنازعة، خاصة أن تركيا تنتظر سقوط قذيفة – أية قذيفة – بعد حادثة الطائرة الحربية التي اخترقت المياه الإقليمية، كي تبرر قصفها لمواقع سورية حدودية، وكي تبرهن للمعارضة الداخلية أن حكومة أردوغان (الأطلسية) لا تزال تحتفظ بعنفوانها العثماني وطموحها الإمبراطوري. وتثبت للمجاميع المسلحة التكفيرية الإرهابية أنها الداعم لهم خاصة في الأوقات العصيبة التي يمرون بها في معارك حلب. وتظاهر الآلاف من الأتراك في (أنقرة وإسطنبول) يطالبون الحكومة التركية بإيقاف هذه المهزلة، ويرددون شعار(لا للحرب) بدعوة من الأحزاب اليسارية والديمقراطية.

إن تفعيل المبادرات المجمع عليها إقليمياً ودولياً، وأبرزها البنود الستة المعروفة باسم (مبادرة عنان)، وما يمكن إضافة بنود أخرى عليها، تساعد الأخضر الإبراهيمي على تسهيل مهمته وإمكانية تحقيق نجاحات ميدانية في أسرع وقت ممكن هو المطلوب، وهو الذي يساعد على تجفيف مصادر التمويل والتسليح والتدريب وإيقاف تصدير الإرهابيين إلى سورية، وتوفير الأجواء الحوارية المناسبة، والجلوس إلى طاولة المفاوضات الجدية، للانتقال بسورية من مرحلة الحرب إلى مرحلة السلم والأمن وإعادة البناء، وإقامة حكم ديمقراطي تعددي.

العدد 1104 - 24/4/2024