الذرائع التركية لن تغطي إرهاب الدولة العلني ضد سورية

ماذا يريد حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان من حشد قادة »الإخوان المسلمين« في مؤتمره الأخير، وإطلاق التهديدات ضد الدولة السورية؟ ولماذا يختلق القادة الأتراك ذرائع واهية لتبرير إيواء المجموعات المسلحة من أصقاع العالم وتدريبها وتسليحها وتسهيل مرورها إلى الداخل السوري، لارتكاب جرائم مروعة مثل تلك التي وقعت في حلب قبل أيام؟ وهل يحاول الجار التركي تغطية سياساته الخائبة وتورطه المغامر في سورية والعراق بإعلانات حرب مثيرة للاستهجان؟

حاول فريق أردوغان استغلال حادثة سقوط قذيفة من الأراضي السورية على قرية تركية، ليعلن أن بلاده تتعرض للعدوان، وسارع لإبلاغ قيادة حلف  الأطلسي، وعقد اجتماع طارئ للبرلمان التركي، منح الحكومة على عجل تفويضاً لمدة عام بشن حرب خارج الأراضي التركية عند الضرورة. وقامت الوحدات التركية بإطلاق سبعين قذيفة نحو المواقع العسكرية السورية، دون انتظار لتفسير الخارجية السورية بشأن ملابسات الحادثة، واعتبارها مأسوية، وتعزية وزير الإعلام لأسر الضحايا، والتأكيد بعدم وجود أي عداوة بين الشعبين السوري والتركي.

وقد دأبت الحكومة السورية على حثّ الأطراف التي تزج نفسها في الأزمة السورية أن تتجاوب مع المبادرات الساعية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة بمشاركة السوريين، دون أي تدخل خارجي، وأن تتوقف عن تسليح المجموعات المسلحة وتمويلها والتغطية على جرائمها، وأن تكف عن استدعاء التدخل العسكري الخارجي »عبر مجلس الأمن أو من خارجه«. وأن تقدم كل عون للمبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي. لكن تركيا والسعودية وقطر تجاهلت الدعوات الدولية، وامتعضت من مراجعة بعض الدول الأوربية والإقليمية لسياساتها تجاه سورية، واستمرت هذه الدول  الثلاث وبغطاء من البيت الأبيض بمواصلة سياساتها العدائية تجاه دولة مستقلة، والتحدث بالنيابة عن الشعب السوري، واستضافة مؤتمرات ولقاءات لقادة المجموعات المسلحة، والسعي لتدمير الدولة السورية، ولإيذاء الشعب السوري بالعقوبات غير المسبوقة، وبإرسال مجموعات تكفيرية إرهابية إلى الأراضي السورية، وهذه انتهاكات صريحة لأبسط قواعد القانون الدولي.

وكان لافتاً أن تتحرك دبلوماسية الدول المعنية بالمنطقة لاحتواء الحادثة، وإبقائها في إطارها الواقعي. فقد دعت العراق تركيا إلى ضبط النفس، وعدم التسرع في خوض حروب خارج الحدود، لأن ذلك يهدد أمن المنطقة وأمن تركيا نفسها.. والرسالة العراقية جاءت لأن العراق يرأس القمة العربية، ورداً على أسلوب التعامل التركي غير المتوازن مع الحكومة المركزية، إذ زار وزير خارجية تركيا إقليم كردستان دون التشاور مع الحكومة العراقية، وهذا تجاوز غير مقبول، كما أن القوات التركية تشن هجمات ضد حزب العمال الكردستاني التركي داخل الأراضي العراقية.

ودعت الخارجية الروسية تركيا إلى ضبط النفس، وقبول التفسير السوري للحادثة، وعدم التصعيد، وإقامة قناة اتصال بين سورية وتركيا لضبط الأمن على الحدود.. كما سارعت إيران إلى إرسال نائب الرئيس الإيراني إلى أنقرة لاحتواء الحادثة، ولدعوة القيادة التركية إلى ضبط النفس. وجاءت إدانة مجلس الأمن الدولي لتفجيرات حلب لتشكل لطمة غير مباشرة لأولئك الذين سلحوا وموّلوا وسهّلوا مرور الإرهابيين.

وجاءت ردود فعل حلفاء تركيا القدماء والجدد متباينة النبرة. فقد أكدت الخارجية المصرية حق تركيا في الرد على »القصف السوري لأراضيها«، واكتفى حلف الأطلسي بمناقشة الحادثة في إطار البند الرابع الذي يقضي بالتشاور بين الحلفاء عند وقوع اعتداء على أراضي أي عضو فيه، وبينت تصريحات الحلف أنه غير متحمس للتدخل عسكرياً في سورية.

ونعتقد أن المجتمع الدولي بدأ يدرك خطورة تداعيات التصعيد في الأزمة السورية، ويظهر استغرابه لتعنت بعض الدول ومحاولاتها المكشوفة لتعطيل مهمة الإبراهيمي من جهة، ولمواصلتها دعم الإرهابيين بالسلاح، ولتجاهلها قرارات مجلس الأمن واتفاق جنيف، وأن بعض الدول تريد مراجعة مواقفها تجاه المراهنة على إمكان فرض حل يقود إلى انهيار الدولة وتغيير السلطة من خلال إطالة الأزمة وزيادة الخسائر البشرية والمادية. وقد وجهت انتقادات قاسية لهذه الدول ولمواقفها المناقضة لميثاق الأمم المتحدة داخل مجلس الأمن، ومن منبر الجمعية العامة للمنظمة الدولية. وجرت مطالبة هذه الدول باحترام الاتفاقات والمبادرات الداعية إلى حل سياسي، والكف عن التدخل في شؤون بلد مستقل سيد، واحترام إرادة السوريين في اختيار من يقودهم.

ونرى أن اختلاق حكومة أردوغان الذرائع للتصعيد على  الحدود مع سورية، وحشد الجنود والأسلحة، واستغلال مأساة اللاجئين السوريين، وتحويل مخيماتهم إلى معسكرات تدريب، وإيواء المجموعات التكفيرية وتغطية عبورها إلى سورية لارتكاب الجرائم المروعة ولخدمة أهداف واشنطن والأطلسي، لا تتفق مع قيم حسن الجوار، ولن ترهب السوريين، وهي لا تتصل بما أقره المجتمع الدولي من ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية. ونرى أن حسابات أنقرة ومغامراتها لن تصرف أنظار الشعب التركي عن الأزمات التركية الداخلية، وعن اتساع الاحتجاجات المعارضة لسياسات قادة حزب العدالة والتنمية الساعي إلى »أخونة« تركيا. وتظهر تجارب العقد الأخير أن إشعال الحرائق وافتعال الأزمات وتغيير أنظمة الدول المستقلة بالقوة والاحتلال والتهديد والعقوبات هي أساليب منافية للمواثيق الدولية، ولا تؤمّن الاستقرار والأمن، ولن تعفي مدبري الصراعات ومشعلي الحرائق من الاكتواء بالنار.

العدد 1104 - 24/4/2024