من الصحافة العربية العدد 596

المبادرة الروسية… ماذا بعد؟

لم تخلق المبادرة الروسية بشأن (السلاح الكيميائي) السوري واقعاً جديداً يتيح وضع الأزمة السورية على سكّة الحلّ أو التسوية. فواشنطن أعادت التأكيد أنه لا حلَّ سلمياً للأزمة السورية مع بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة. موسكو أيضاً أكدت بقاءها على ثوابتها من الأزمة. ذلك يعني، بكل بساطة، بقاء الحرب في سورية إلى أجل غير معلوم، في ظلّ انعدام الحسم العسكري وغياب التسويّة السياسيّة.

لا شيء على أجندة الولايات المتحدة وحلفائها في ما خص الأزمة السورية، غير رحيل الرئيس الأسد. في حسابات هؤلاء لا ثمن أقل من ذلك يستحق أن يقبض، ولا هدف أثمن من الإطاحة بالنظام. البديل الوحيد الذي يرتضونه، في ظل العجز عن كسر موازين القوى، هو إبقاء المشهد على حاله في معركة استنزاف متواصلة. وكل ما دون ذلك يساوي عندهم ضياع فرصة ذهبية لتفكيك عرى محور المقاومة.

بالمقابل، لا يملك حلفاء النظام من القوّة ما يتيح لهم فرض التسويّة التي يتطلعون إليها. المتاح عندهم يقتصر على مؤازرة الحليف، بانتظار أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. وإذا كان هؤلاء يستطيعون منع المؤامرة من بلوغ أهدافها القصوى، فإن موقفهم العملي يراوح بين الصمود والتصدي، فيما يتفوق الخصوم بقدرتهم على إبقاء الجرح مفتوحاً والمراوحة بين استنزاف النظام وتدمير سورية.

الحديث عن إمكان أن تكون المبادرة الروسيّة، بشأن الأسلحة الكيميائية، مدخلاً لتسوية شاملة في سورية، لا يعكس حقيقة ما في البين. يدل على ذلك انعدام النوايا الصادقة لدى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، ورفض منطق التسوية من قبل كل الأطراف الإقليمية المعادية لدمشق، وتمرد المعارضة السورية على أي صيغة حواريّة تجمعهم إلى جانب النظام. هذا فضلاً عن تعقيدات أخرى، أبرزها وجود أكثر من خمسين ألف مقاتل أجنبي على الأراضي السورية خارج الضبط والخضوع لأي اتفاق. أما ما يحكى عن (جنيف 2)، في حال انعقاده ، فيمكن وضعه إلى جانب (جنيف 1)، حيث ظلت مقرراته حبراً على ورق.

في مثل الأزمة السورية لا يجوز أن تكتفي دمشق وحلفاؤها ببقاء النظام وصموده، في ظل حرب مفتوحة تؤدي إلى تدمير سورية وخرابها. بخلاف ما هي عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها، إذ يستطيعون تجاوز العجز عن إزالة النظام عبر الاكتفاء بتدمير سورية واستنزافها. المعادلة هذه قد لا تكون منظورة على المدى القريب في خضم الوقائع الميدانية، لكنها على المدى البعيد ستكون منجزاً أساسياً في خدمة أصحاب المؤامرة. وبالعموم، كيف يمكن حصر المواجهة في سورية، بملاحقة المسلحين إلى ما لا نهاية في قرية هنا وحي هناك، في وقت لا مجال معه للشك بحجم التورط الأمريكي، الأوربي، الإسرائيلي، الخليجي، والتركي في خراب سورية ودمارها؟ ثم ألا يجدر بحلفاء دمشق أخذ العبرة من الولايات المتحدة التي ذهبت، في لحظة مؤاتية، إلى حد الحرب، لنزع السلاح الكيميائي الذي قد يشكل خطراً في يوم ما على حليفتها إسرائيل، فيما المعركة في سورية برمتها تهدد وجود ومصالح دمشق وحلفائها.

المشهد في سورية كارثي. فهل من مصلحة النظام وحلفائه خلق توازنات جديدة، والانتقال من حال الدفاع والصمود، إلى القدرة على إنهاء الأزمة؟ توسيع رقعة المواجهة مع المعارضة المسلحة، أمر ضروري لفرض الحل السياسي. ذلك لا يكون إلا على قاعدة توازن الرعب والردع.

أين وكيف؟

هذا شأنهم.. المهم، هذه القاعدة أثبتت أنها سلاح ناجح في لجم الاعتداءات.

حبيب فياض

(السفير)، 21/9/2013

 

كمال ديب: دمشق لن تسقط

لا يسعنا الحديث عن سورية من دون الالتفات إلى كتابات الباحث والمؤرخ اللبناني كمال ديب وتحليلاته.

كتابه الجديد (أزمة في سورية: انفجار الداخل وعودة الصراع الدولي2011 – 2013) (دار النهار)، هو محاولة جدية لتفكيك الانفجار السوري الراهن وقراءته، بدراسة وقائع الصراعات الدولية، وتأثيرات (الربيع العربي)، والصراع التاريخي بين الإخوان المسلمين والسلطة، إضافة إلى مسائل التعددية الدينية والإثنية. وفيما كانت طبول التدخل العسكري الخارجي المباشر تقرع عبر التحضير لحرب تدمّر مكامن قوة الجيش السوري، ووسائل الإعلام تعمل ليل نهار في بعض الدول العربية والغربية على تهيئة الرأي العام، وإقناعه بأنّ ما سيحصل هو (ضربة للنظام)، نقرأ في كتاب ديب أنّ الحرب العربية العالمية على سورية التي بدأت في صيف 2011 اتخذت أساليب أكثر مباشرة.

يكشف ديب أنّ لهذه الحرب أوجهاً عدة يسمّيها أبواب الأزمة السبعة تيمّناً بأبواب دمشق التاريخية السبعة التي أشار إليها في مقدّمة الكتاب.

ويقول ديب إنّ كل تدّخل عسكري مباشر من الذي تطرحه الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة، قد يقلب المعادلات، وربما يفجّر الشرق الأوسط.

العدوان الأمريكي  بالوكالة سابقاً والمباشر هذه الأيام،  الذي يشارك فيه عدد من الدول العربية، إضافة إلى تركيا وفرنسا وإسرائيل، سيعني المزيد من الدعم الروسي والصيني والإيراني لسورية.

إمّا أن تسقط سورية بأيدي الأمريكيين، كما سقط العراق في عام ،2003 وإمّا أن يفشل مشروع تدمير سورية على أبواب دمشق، كما تحطّم عدوان إسرائيل على لبنان عام 2006 في تخوم قرية مارون الراس على أيدي المقاومة.

لطالما سعت الجهات العربية والغربية إلى إسقاط الدولة السورية وليس النظام فقط بواسطة تشجيع الإرهابيين، وتهريب الأسلحة، وتصدير التنظيمات الجهادية والتكفيرية، والرهان على أن ينتهي النظام بضربات من الداخل والخارج، من دون تدخل الدول الكبرى الحليفة، بعد أن تكون قد قامت بتسوية على حساب سورية، فيجري تفتيت كل المنطقة إلى كانتونات طائفية تتصارع في ما بينها، وتدخل منطقة الشرق الأوسط العصر الإسرائيلي.

بعد صدور كتابه الأول (تاريخ سورية المعاصر من الانتداب الفرنسي إلى صيف 2011)، يستهل المؤلف كتابه الثاني عن سورية، بنصّ لجبران خليل جبران من كتاب (العواصف)، وبقصيدة للشاعر سعيد عقل عن الشام، ومقدمة لكريم بقراودني بعنوان (سورية في عين العاصفة). ثم يقدم كمال ديب رؤيته المنهجية إلى أطروحة الكتاب.

يشير إلى أنه كما كانت سورية ملهمة للشعراء والأدباء على مدى العصور، ومقصداً ومحط أنظار للغزاة، فهي كانت ولا تزال صاحبة موقع استراتيجي لعب دوراً في الأوضاع الجيوسياسية الدولية، وجذب أطماع الدول والإمبراطوريات عبر التاريخ.

ما إن انفجر الداخل السوري في عام 2011 حتى هبّ أعداء سورية التاريخيون للانقضاض عليها مجدداً. ولذلك نقترح قراءة الكتاب الأول التاريخي عن سورية قبل الثاني، من أجل فهم استمرارية الصراع الدائر بأسبابه الداخلية وعوامله الخارجية على حد سواء.

يقدّم الكتاب الوقائع والتحليلات. يعدّد أسباب الأزمة السورية المثلثة الأضلاع بين الداخلي والدولي والإقليمي.

وقد قسّم ديب كتابه إلى سبعة أبواب تيمّناً بأبواب مدينة دمشق السبعة، ليسهّل على القارئ فهم الترابط بين التفاعل بالداخل والارتباط بالخارج، بينما جاء الأسلوب سهلاً ومبسطاً وغنياً بالمعلومات المكثّفة وبالتحليل العلمي الأكاديمي.

إن أيّ مطالعة عابرة لأزمة سورية في مقالات أو في مقابلات لن تغني عمّا يحمله هذا الكتاب بين ثنايا صفحاته الغنيّة بالوقائع والتحليلات المفصّلة والمراجع التي ارتكز عليها المؤلف في بحثه.

وبمطالعة الكتاب، يتساءل المرء عما إذا ما كان قدر المشرق حقاً أن يعاني الحروب والتفتّت والتهجير، فيدفع ثمن ثقافته وحضارته المنفتحة بتعدد أديانه وإثنياته.

وهل قدر الشعب السوري فعلاً أن يتشرّد كالشعب الفلسطيني، ويعتاش على صدقات الأمم ويقيم في مخيمات اللجوء؟ أم أنّ سورية ستقاوم وتنتصر ويعي شعبها  حكومةً ومعارضةً  أبعاد ما تضمره القوى الخارجية وضرورة توحيد الجهود لمصلحة الوطن؟

فيصل الترك

(الأخبار)، 20/9/2013

العدد 1105 - 01/5/2024