ألم نستوعب الدروس والعبر؟!

يبالغ البعض في الداخل والخارج بخسائر الاقتصاد الوطني بعد اندلاع الأزمة السورية، لكن الوقائع اليومية تثبت أن تفاقم هذه الخسائر، وتعدد مطارحها، يتناسب طرداً مع استمرار هذه الأزمة. وتؤكد تصريحات المسؤولين التنفيذيين للمؤسسات الاقتصادية والخدمية للصحافة المحلية، التأثير المدمر الذي تتركه تداعيات الأزمة على هذه المؤسسات، ومقدار الخسائر التي تسببت بها، والتي تتجاوز حتى الآن 170 مليار ليرة سورية حسب بعض المصادر الحكومية، و600 مليار ليرة سورية في مدينة حمص وحدها -حسب تصريحات محافظ حمص-.وتسعى الجهات الحكومية المتضررة، وخاصة وزارة الكهرباء، والمراكز الخدمية في المدن السورية إلى إصلاح بعض البنى الحيوية، وتأمين الخدمات الضرورية للمواطنين، حسب ما تسمح به موازنة الدولة في ظل تراجع الإيرادات العامة، وحالة الركود التي يعانيها الاقتصاد السوري.

في هذا الظرف الاستثنائي العصيب، تطلق بعض التصريحات عن قرب البدء بإطلاق نشاط الصندوق الاستثمار السيادي الهادف إلى المساهمة في دعم استقرار البورصة السورية! ورفع مستويات الثقة بها عبر سياسة استثمارية طويلة الأجل، والسعي لتحقيق عوائد وأرباح للمساهمين عن طريق تنويع الاستثمارات المالية وتوفير الخبرة والمشورة الملائمة، والذي حدد رأسماله  بمليارَيْ ليرة سورية، تساهم فيه مؤسسات ومصارف الدولة العامة وصناديق التقاعد برأسمال الصندوق، إذا رغبت في ذلك، وفقاً للأنظمة الداخلية لكل منها.

البورصة السورية التي لايتجاوز عدد الشركات المدرجة فيها 20 شركة، تحظى بهذه الفزعة الحكومية، لتنشيط الطلب على أسهمها، والاستثمار في المضاربة على أوراقها المالية!في حين تقتضي الظروف التي تمر بها بلادنا التي يحاصرها تحالف دولي خليجي تركي ظالم، التركيز على تنشيط ودعم المؤسسات الإنتاجية التي تقدم السلع الضرورية..وبدائل المستوردات.

هل استثمار المصارف في هذا الصندوق (الاستثماري) هو المطلوب الآن؟ أم تسهيل إقراض الصناعيين الكبار والصغار.. والمشاغل والورش الصغيرة التي تشغل مئات ألوف العمال.. وتعاني الركود بسبب نقص التمويل؟!

هل ستعمد صناديق التقاعد إلى وضع (مطمورتها) في صندوق ريعي لخدمة بضع شركات ريعية، أم تبحث عن مشاريع استثمارية تعطي دفعة للقطاعات المنتجة، وتساهم في لجم الركود؟!

لماذا الإصرار على تأسيس مثل هذه الصناديق الريعية،  في وقت تحتاج فيه البلاد إلى مؤسسات إنتاجية تساهم في دعم الاقتصاد الوطني الذي تحاصره العقوبات والضغوط التي يوجهها التحالف الدولي المعادي لسورية؟ هل هذه أوّليات الحكومة في الوضع الاقتصادي الراهن؟ هل المطلوب الآن تحقيق أرباح للمضاربين في البورصة السورية،  بينما ترزح الفئات الشعبية تحت وطأة الغلاء.. وفقدان المواد.. وتحكم أسياد السوق ومحتكري المواد الأساسية،  وترفع استغاثات موجهة للجهات الحكومية الغائبة.

ألم نستوعب الدروس والعبر بعد عقد من تهميش قطاعات الإنتاج الحقيقي.. ومنح التحفيزات للشركات السياحية والعقارية و(القابضة) الريعية، التي سيطرت على مفاتيح الاقتصاد السوري،  متلطية خلف شعارات التنمية والتطوير، ولم تقدم إلاّ الوعود..وبضع مشاريع مخصصة (للنخبة)؟!

مهلاً أيها السادة، فأمامنا(فزعات) آتية لإعادة إعمار بلادنا..وفروا مدخراتكم لتنمية حقيقية.

العدد 1105 - 01/5/2024