في الانتظار.. تستمرّ الحياة

بينما يترقب السوريون والعالم أجمع بأعصاب مشدودة، الضربة المبيتة من الولايات المتحدة على سورية، يستمر توافد الوفود البشرية الداعمة للشعب السوري لتصنع من أجسادها دروعاً بشرية حامية بمواجهة أعتى وأشرس الصواريخ والقنابل العالمية، وتُدقّ في الوقت نفسه أجراس الكنائس بدءاً من البيت البابوي في الفاتيكان لينتشر في كنائس العالم كلّها متضرعين للوقوف في وجه الحرب، مطالبين بالسلام بين شعوب الأرض. وتستمر الصلاة لأجل سورية لحماية شعبها من لعبة الدول الكبرى.

في هذا الانتظار لم تتوقف وتيرة الحياة، فلا تزال هموم ذلك المزارع في جني محصوله وكيفية تسويقه والتحضير للموسم الجديد الشاغل الأكبر له. ولا تزال تلك الفتاة وذلك الشاب يبحثان عن نصفهما الآخر لبناء بيت الزوجية وإنجاب المزيد من الأطفال. في خضم تلك المعارك الكبرى تستمر الحياة بتفاصيلها الصغيرة حتى بين من لجؤوا واستقروا في مراكز اللجوء في أنحاء سورية، أو نزحوا إلى خارجها تظهر بينهم مشاكل العلاقات الاجتماعية الجماعية التي ترافقت معهم من أول يوم لهم في مكانهم الجديد، الذي لن يقبلوا أن يصبح البديل. لتبرز صراعات إنسانية بين القبول والرفض، بين الاستقرار والتأهب للعودة. وفي الأماكن الأخرى من البلدات السوريّة تستمر المشاكل الصغرى لا تتوقف عند الحدث المنتظر فهو فوق إرادة وخيار الناس العاديين، فهذا يقاتل جاره لأنّه مرّ بأرضه، وذاك يحاجج في أحقية بناء حائط بمواجهة منزله، وتلك تدافع عن حقّها في العيش بطريقة مستقلة. وهنا وهناك من يعمل لأجل الآخرين، ومنهم من يبحث عن طريقة يستفيد بها مما يجري، وقد يجري. فالقصة كلها بالنسبة له فرصة إضافية للربح. وتستمر  السرقات من بيوت من نزحوا أو هجّروا، ويبيع  (أغراضَهم) المرتزقة المشاركون من حيث يدرون أو لا يدرون في الحرب ضد بلدهم، وتستمر الاحتيالات للاستيلاء على البيوت المهدمة التي لم تعد تكفي تلك الأوراق الشكلية التي كانت بحوزتهم لإثبات ملكيتهم للعقار الذي كانوا يعيشون فيه.

في الخوض بتلك التفاصيل يتحدى السوريون الخوف والترقب، بانتظار ما قد يحدث. فبعد أكثر من عامين من الاقتتال اختلط الحابل بالنابل وتلخبطت الأوراق كلها، لتصبح في أيدي الدول الكبرى الباحثة عن مصالحها في دولة صغيرة كادت أن تكون -لولا تدخلهم في اقتصادها وسياستها لعقود طويلة- من أعظم دول العالم. فهي تملك الثروات الطبيعية والأرض الخصبة والبحر والأنهار والينابيع، وتملك ثروة بشرية هائلة بالعدد والتنوع والحضارة، وخاصة الشباب -ات الذين يشكلون النسبة الأكبر من سكان سورية، والذين يعوّل عليهم الاستمرار بالحياة، والذين بهم ستنهض سورية أقوى مما كانت، سورية الجديدة التي تليق بشعبها وتاريخها.

العدد 1105 - 01/5/2024