علمانية الدولة والانتماءات المتعددة

إنّ تجسّد شعار سيادة القانون والعدالة والمواطنة هو ما يميز الدولة الحديثة العلمانية عن دولة دكتاتورية أو دولة دينية أو أمثالهما. وتجسد هذا الشعار هو أشبه برفع المظلة الجامعة لكل أبناء شعب هذه الدولة. وكلما زادت هذه المظلة متانة شعر الناس تحتها بالاسترخاء والأمان على ثقافتهم وحياتهم وحاضرهم ومستقبلهم أيضاً. وهو ما يؤدي ويعكس بالضرورة انفتاحاً على الآخر وزيادة في التعامل معه بأريحية كبيرة دون خوف أو تخوين أو نفور. وبالتالي نمو متسارع في هذه الدولة على جميع الأصعدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفناً وثقافةً وغيرها. والعكس صحيح تماماً، إذ عندما تضعف هذه المظلة أو تتمزق ( سيادة القانون والمواطنة والمساواة ) فإن مظلات مادون المظلة الوطنية لابد أن تظهر كرد فعل اجتماعي طبيعي، محركه البحث عن الأمان الاجتماعي والثقافي وو. فتظهر إلى السطح انتماءات مادون وطنية، مثل الانتماء الديني أو القومي أو القبلي وغيرها. وهنا يزداد تقوقع الناس في الانتماء الخاص بهم، فتتجسد مع الوقت الانشقاقات في المجتمع الوطني لحساب الانتماء الضيق الخاص. فتظهر إلى السطح تبعاً لذلك الطائفية والعدوانية والأنانية التي تغذي الانقسام في المجتمع وتتغذى عليه في الوقت عينه. وهكذا حتى في ظل مظلة الانتماء الضيق عندما تغيب العدالة، فتظهر تحتها مظلات أكثر صغراً: العائلية والمناطقية وغيرها، ويستمر التقوقع والانحدار في الدولة والمجتمع.

وبذلك يكون مبدأ سيادة القانون والعدالة والمواطنة حجر الأساس في تمتين الاتحاد بين مكونات المجتمع المتعدد الانتماءات ما دون الوطنية. ويكون أيضاً الحجر الأساس في زيادة انفتاح وتفاعل أبناء هذا المجتمع فيما بينهم والارتقاء بمجتمعهم إلى فوق.

ومن هنا يكون تغييب مبدأ سيادة القانون والعدالة والمساواة في الدولة والمجتمع هو عملاً تخريبياً، وأشبه بخيانة الوطن والشعب، وهو العامل الأساس لانحدار الدولة والمجتمع وتفسخهما.

العدد 1107 - 22/5/2024