«تبرع بكتابك»… حملة شبابية تعيد للكتاب ألقه..!

 تعددت وسائل اكتساب العلم والمعرفة في عصرنا بين مقروءة أو مسموعة أو مرئية، ولكن المحزن عزوف الشباب عن القراءة قاطعين كل صلة بها، متجهين إلى الإعلام الإلكتروني والمرئي بما يحويانه من ترفيه وبرامج لا تساهم في غالبيتها في بناء الشخصية. وهو ما ولد أزمة ثقافية فكرية نعيشها اليوم في سورية. إن تقدم الشعوب ورقيها يقاس بما تنتجه من الكتب، وبعدد الذين يقرؤون هذه الكتب. فكلما زاد إنتاج الكتاب والكتّاب والقارئين زاد الإنتاج الاقتصادي وتطور المجتمع تكنولوجياً وعلمياً وثقافياً واجتماعياً. لذلك فإن أكثر المجتمعات تخلفاً وفقراً هي تلك التي تقبع في أدنى درجات السلّم البشري من حيث إنتاج الكتاب، ومن حيث استهلاكه بالقراءة.

ومن هنا.. وفي وقت بات فيه الكتاب في سورية يعاني من الإنتاج ومن حيث استهلاكه بالقراءة، أطلقت مجموعة شباب ضمن مشروع (التاريخ السوري) حملة (تبرَّعْ بكتابك) بين مدينتي دمشق واللاذقية، سعياً لتشجيع التبادل للكتب والتشارك في المعرفة، من دون أي تكلفة إلا الرغبة في القراءة والإطلاع على الجديد، إيماناً منهم بأنها وسيلة لمنح (حياة ثانية) للكتب التي تُنمى بالقراءة لا بالإهمال والنسيان فوق رفوف المكتبات، إضافة إلى أنها وسيلة ل (إعادة استخدام الكتب) بدلاً من التخلص منها.

وللوقوف على حملة (تبرع بكتابك) التقت (النور) مسؤولة الحملة نارينا الخليل، التي أشارت إلى أنَّ فكرة الحملة انبثقت من الواقع الاقتصادي الذي نعيشه، إذ شهدت أسعار الكتب ارتفاعاً كبيراً لم يعد بمقدور الكثيرين الحصول عليها، فقامت الحملة على أساس إتاحة الفرصة لاستبدال الكتب بكتب أخرى، عن طريق جمع الكتب الجديدة والمستعملة التي لا يحتاجها المتبرع وقد يحتاجها متبرع آخر. إضافة إلى تفاعل عدد من الجهات العامة والخاصة معنا ودعمنا بالكتب، كالمؤسسة العامة للسينما، والموسيقي جوان قره جولي، إضافة إلى مكتبتَيْ بالميرا وأرواد في اللاذقية، وغيرهم.

وعن هدف الحملة قالت الخليل: (نسعى إلى تشجيع الشباب السوري على معاودة القراءة، سعياً لترسيخ هذه العادة التي فقدها مجتمعنا لأسباب كثيرة. إضافة إلى العمل على فكرة تدوير المعلومة، وهو ما يساهم في نشر المعرفة وتثقيف الشباب غير القادر على الوصول إلى الكتب، سواء بسبب أسعارها المرتفعة أو ندرتها، خصوصاً أن هناك بعض الكتب توقفت طباعتها مع الحاجة إليها. البعض، والكثير من الكتب فائدتها تنتهي بمجرد الانتهاء من قراءتها، هنا يُفضل تبادلها بكتب أخرى، فيسيتفيد العضو ويفيد آخرين بدلاً من تخزينها في المنزل دون فائدة). وعن طبيعة العناوين الموجودة بينت أنه يوجد عدد من الكتب بلغات عدة وهي تتغير باستمرار بسبب عملية التبادل.

وفيما يتعلق بالمعوقات التي واجهت الحملة بينت الخليل أنها بمجملها ناجمة عن انعدام الدعم والتمويل، إضافة إلى انعدام ثقافة القراءة لدى الشباب السوري والسعي لقضاء الوقت على الإنترنيت، وهو ما انعكس على نوعية الكتب التي يرغب الشباب في اقتنائها، والتي تندرج ضمن مفهوم (ثقافة الاستهلاك). وعن سبب اختيار شهر أيلول قالت مسؤولة الحملة: (اخترنا أيلول لتكون الحملة متزامنة مع العام الدراسي، وبالتالي نتمكن من المساهمة في جمع الكتب المدرسية والجامعية وتوزيعها على مراكز الإيواء بالتعاون مع بعض الحملات التي تُعنى بذلك). يذكر أن الحملة انطلقت في الأول من أيلول الحالي، وستستمر حتى الثلاثين منه، في مركزين: الأول باللاذقية في (نادي الأوركسترا)، أما الثاني ففي مطعم (ساليه سوكريه) بدمشق. وبحسب الخليل فإن الحملة لن تتوقف مع نهاية أيلول بل ستستمر في معهدALTC  بدمشق، إذ قدمت مديرته السيدة أناهيد خربوطلي مقراً دائماً وثابتاً للحملة، سيفتتح في الخامس من تشرين الأول، إضافة إلى العمل على نشر الحملة على بقية المحافظات السورية.

 

على الرغم من أهمية المبادرات الشبابية في المجتمع، إلا أنها بحاجة إلى دعم حكومي ومجتمعي يفتح لها أفق الانتشار، فكيف ونحن نتحدث عن نشر ثقافة في المجتمع وتغير في العادات والسلوك.. وذلك سعياً لإيجاد جيل جديد مؤمن بالعلم وراغب في رفع الثقافة شعاراً للحياة. وكما يقال: (ليس عليك أن تحرق الكتب لتدمر حضارة، فقط اجعل الناس يكفون عن قراءتها ويتم لك ذلك). فالكتاب هو أحد الأسلحة الفعالة التي نواكب بها مسيرة التقدم العلمي، وننهض بالمجتمع، ونصل بسورية السلام إلى ما نصبو إليه. وهو ما يتطلب منا جميعاً التعاون على فتح النافذة التي يطل منها أطفالنا وشبابنا على دائرة المستقبل، فلسنا محكومين بالأمل فقط، فالأمل بحاجة إلى عمل.

العدد 1105 - 01/5/2024