مهاجرون عنوةً…!

زوجي طبيب ناجح، وله مكانته عند الكثير من الأطباء من زملائه، ومحبوب جداً من مرضاه. يملك عيادة خاصة بناها بالكد والتعب والحب لمهنة أخلص لها وبرع فيها.. وأنا مهندسة أثبتُّ نفسي في مجال الهندسة، وانتقلت من الوظيفة إلى مكتبي الخاص، فكان لي مشاريع أحببت العمل بها ومارست هندستي بحب وشغف… أما أطفالنا فهم من الأوائل في صفوفهم ولهم أصدقاء ورفاق كثر.

مع اندلاع الأحداث في بلدنا الحبيب كنا نعيش حالة قلق على أطفالنا ورعب لمجرد سماع طلقة هنا أو تفجير هناك، كنا كل صباح نودع بعضنا لأننا قد لانلتقي مرة ثانية.. هذا الوضع المأسوي الذي كنا نعيشه دفعنا لنفكر بالسفر إلى خارج البلد، نحمل معنا شهاداتنا على أمل أن تتحسن الظروف ونعود قريباً إلى بلدنا وأهلنا وعملنا.. وعند وصولنا إلى هذا البلد الذي نحن فيه الآن وجدنا ما كنا نحلم فيه من أمان ورعاية للطفولة كنا قد فقدناها.. وبدأ مشوارنا في بحثنا عن عمل. طلبوا تعديل الشهادة وكأن دراستنا كانت بغير فائدة. كأن زوجي لم يدرس الطب، وأنا ما درست الهندسة…ومع ذلك قمنا بتعديل الشهادة، وأخذ هذا منا جهداً ووقتاً.. وفي الوقت نفسه دخل أولادنا إلى مدارس البلد الذي استضافنا، وبدؤوا بالتعلم باللغة الغريبة، ولدهشتنا إن أولادنا تأقلموا بسرعة، مع هذه اللغة الجديدة وتعلموها بسرعة، وهذا ما كان لنا مصدر راحة كبيرة، ففي الدرجة الأولى نحن قدمنا إلى هذا البلد من أجلهم، لكنهم لم يستطيعوا بناء صداقات بمستوى الأصدقاء القدامى، فهم أجانب.. بعد تعديل شهاداتنا  واستكمال جميع الإجراءات للعمل هنا بدأ مشوار البحث عن عمل. لكن هنا ليس لديهم ثقة بالطبيب الأجنبي بعكس بلدنا، إذ كنا نمجد الطبيب الأجنبي على حساب ابن البلد. قرر زوجي أخيراً أن يفتح عيادة خاصة ويبدأ  ممارسة مهنة الطب كأنه طبيب تخرج للتو من جامعته، ولكن عمره يتجاوز الأربعين عاماً…سنبدأ من جديد في بلد جديد يختلف عنا بعاداته وتقاليده وأنظمته.. ولكن لا نستطيع غير ذلك. بلدنا أحوالها في تدهور مستمر، والخطر صار أكبر والعمل أصبح شبه مستحيل في ظروف انعدام الأمان.. لن نكون مرتاحين وسعيدين كما كنا في بلدنا ولكن ليس لدينا خيار آخر.. إنها هجرة عنوةً عنا.

العدد 1105 - 01/5/2024