الشباب بوصفهم من ضحايا الأزمة

منذ ما قبل الأزمة الراهنة يعاني الشباب السوري، ويواجهون تحدّيات كبرى في سبيل إثبات ذواتهم، وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم. وقد تضاعفت المعاناة وازدادت التحديات بعد مرور ما يزيد على سنتين من الكارثة الإنسانية التي تعيشها البلاد.

مُعظم شبابنا باتوا اليوم موزَّعين بين الموت والهجرة، ومن تبقّى من الشباب، الرافضين الانخراط في دورة العنف أو مغادرة البلاد، يستمرّ تغييبهم وتكبيلهم بشروط صعبة، تعرقل حريتهم وتقيّد حركتهم ونشاطاتهم، في سعيهم للبقاء على قيد الحياة وعيشها بطريقة (طبيعية).

ومع غياب الشروط الموضوعية والطبيعية لتحقيق نمو صحي سليم، فإنّ اختلالاً يصيب مختلف أشكال النمو، النفسي والجسدي والعقلاني والاجتماعي عند الشباب الباحثين عن فرصة لإثبات الذّات، والعيش وفق قناعاتهم.

وإذا افترضنا، على سبيل الرّياضة الذهنيّة، أنّ المعجزة وقعت، وتوقّفت المهزلة الدموية التي تقتلع ما بقي من جذور الحياة في مجتمعنا، فإنّ العمل لتعويض الخسائر المتراكمة  ليس بالأمر السهل. فالخسائر على الصعيد البشري، مثلاً، وهي أفدح الخسائر، لن تعوّض بأي ثمن.

غير أنّنا لو شئنا العمل من أجل تحقيق رؤية مستقبلية تعيد بناء المجتمع، فلا بد أن يكون للشباب نصيب من ذلك بدءاً من الآن، خاصّة أنّ معظم البرامج التأهيلية التي تنفّذها مختلف الهيئات المعنيّة بمعالجة نتائج الأزمة الراهنة تُعنى بأوضاع الطفل والمرأة، سواء في مناطق النزاع أو اللجوء، وتغضّ البصر عن حالة الشباب، الذين، كغيرهم من شرائح المجتمع السوري، في حاجة ماسّة إلى برامج دعم نفسي فعالة، تستطيع احتواء مشكلاتهم المتضخمة بسبب الأزمة، ومعالجة الضرر النفسي الذي يولّده العنف المتزايد حولهم على جميع الأصعدة.

إنّ نسبة انتشار الاضطرابات النفسية وما قد ينجم عنها من انحرافات سلوكيّة، وعنف مفرط، واعتداءات جنسية..، ترتفع في ظروف غياب الأمن وتخلخل بنية الأسرة، ويقع على الشباب قسط وافر من تداعيات كلّ ذلك، بالنظر إلى خصوصيّة مرحلتهم العمريّة.

إلى ذلك، سيكون من المهم  العمل على إعادة التوازن الاجتماعي، من خلال إعادة إنتاج المفاهيم الأخلاقية الإنسانية المحددة للسلوك ولطريقة التواصل مع الآخر المختلف، والتي طالها الكثير من التشويه، وتضرّرت على إثرها العلاقات في أوساط الشباب، كما غيرهم من أفراد المجتمع، بعد أن تقطّعت أوصاله طائفياً ومناطقياً، وحتّى على خلفيّة الموقف السياسي، ليصبح الآخر المختلف هو (الشيطان) الذي يجوز إطلاق أسوأ الصفات عليه، ويحق نفيه وإقصاءه. فهل من متّسع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومساعدة شبابنا على اجتياز الأزمة/ الكارثة؟!

العدد 1105 - 01/5/2024