قانون مهنة المحامين مجحف بحقهم

المحامون ليس بإمكانهم الدفاع عن أنفسهم تجاه قانون مهنتهم، فقد نص قانون تقاعد المحامين الصادر بالرقم 53 تاريخ 31/12/،1972 في المادة 19 منه على ما يلي: (يستحق المحامي إذا زاول المهنة مدة أكثرمن خمسة عشر عاماً وأقل من ثلاثين عاماً معاشاً شهرياً يعادل جزءاً من ثلاثين جزء من المعاش الكامل مضروباً بعدد سني ممارسة المهنة، شريطة أن يكون المحامي قد أتم الستين من العمر، ويستثنى من شرط السن المحامي الذي بلغت مزاولته المهنة خمسة وعشرين عاماً). ونصت المادة 20 منه على: (يستحق المحامي، الذي أتم الستين من عمره ولم يكمل خمسة عشر عاماً ممارسة فعلية، تعويضاً يعادل المعاش الشهري الكامل مضروباً بعدد سني ممارسة المهنة). وجاءت المادة 13 من نظام معونة التقاعد ووفاة المحامين الصادر بقرار المؤتمر العام رقم 28 تاريخ 25/4/1996 ،لتنص على ما يلي: (ا- يجوز للمحامي عند إحالته على التقاعد أن يتقاضى نصف معونة التقاعد والوفاة المحدد حينذاك، شريطة أن يبدي رغبته في ذلك عند تقديمه طلب الإحالة على التقاعد من المجلس تحت طائلة سقوط حقه في هذا الخيار. ب- للاستفادة من الفقرة السابقة يتوجب توفر أحد الشروط التالية: 1-إتمام طالب الإحالة على التقاعد سن الخامسة والستين. 2-إكمال طالب الإحالة ممارسة مهنة المحاماة مدة ثلاثين سنة، وإتمامه الستين عاماً. 3-الإحالة على التقاعد بسبب صحي أدى إلى عجز كامل عن العمل). ونصت المادة 14 من القانون المذكور أعلاه على: (يجري توزيع المعونة أو نصفها المحدد حين الوفاة كما يلي: آ- حصصاً متساوية على أفراد أسرة المحامي المتوفى، منها حصة واحدة للزوجة، (أو الزوجات)، وحصة واحدة لكل من أولاده، وحصة واحدة لوالديه. ب- يحق للمحامي أن يحصر الاستحقاق في زوجته (أو زوجاته)،وفي أولاده القاصرين والعاجزين وشقيقاته اللواتي يعيلهن. ج- يحق للمحامي أن يحصر الاستحقاق في زوجته (أو زوجاته) و(في أبنائه) القاصرين وبناته غير المتزوجات. د- يحق للمحامي أن يحصر الاستحقاق في ورثته الشرعيين وفق نصيب كل منهم من تركته. ه- في حال عدم اختيار المحامي لما ورد في الفقرة (د)، وعدم وجود أي من المستحقين المبينين في الفقرة (آ)، يحق للمحامي تعيين من يستفيد من المعونة شريطة أن يكون من أقربائه حتى الدرجة الرابعة. و- إذا لم يكن للمحامي المتوفى مستحقون على الوجه المبين في الفقرات السابقة فلا تترتب معونة الوفاة.

 بالعودة إلى المواد السابقة، نجد العدالة المطلقة في هذه المهنة الحرّة ونجد الخيار مفتوحاً على مصراعيه للمحامي الذي أفنى حياته في المهنة. يدخل المحامي النقابة، وقبل كل شيء يتوجب عليه دفع الرسوم والإسعاف والتعاون، وكلما أراد تقديم طلب أو أراد أن يقول لهذه النقابة: السلام عليكم، أريد منكم….. يأتيه الرد: ادفع بالتي هي أحسن، ولكن كله لصندوق الإسعاف والتعاون والتقاعد ومعونة الوفاة، وكله سيعود عليك بالنهاية! أيُّ عائد هذا؟ وأيُّ فوائد تلك التي تُجبره على الاختيار ولا تُعطيه الحرية في الخيار  في التصرف بماله الذي تعب وجناه هو من كدّه وسنوات عمله؟ فالخيارات محددة وحصرية، لسنوات التقاعد أو لمعونة الوفاة، وذلك على الوجه التالي:

1- يُعاقب المحامي الذي بدأ عمره صغيراً في مهنة المحاماة ولم يختر غيرها،  فدخلها بعد الجامعة مباشرة، وكان ذنبه أن أنهى الثلاثين عاماً قبل أن يبلغ الستين من العمر، فهذا المحامي تُكافئه النقابة بالتقاعد الشهري فقط، إن أراد التقاعد، لكن لا يحق له التعويض ولو كان له من العمر في المهنة ما يتجاوز الثلاثين سنة  بسبب شرط السن، فذنبه صغر سنه ونشاطه المبكر في المهنة، وكان حريّاً به أن يتسلى بعد الجامعة بالوقت الضائع (كم سنة)، ليخرج من شرط العمر، ليستحق التعويض!

 إنها فعلاً مهزلة؟ ماعلاقة شرط السن بالتعويض، مادام المحامي قد حقق شرط سن التقاعد واستحقه، وحقق شرط مزاولة المهنة ثلاثين سنة كاملة؟ بينما يأتي محام آخر، كان موظفاً ولديه تقاعد في مؤسسة أخرى يمضي السنوات المطلوبة ويتمتع بالراتب التقاعدي والتعويض معاً! هل تحققت العدالة هنا؟ أليس التعويض من حقه وهو اسمه تعويض وليس منّة من النقابة على المحامي، بل هو ثمرة جهوده خلال الثلاثين عاماً من العمل والجهد المتواصل؟

 2 – التعويض الذي تحتبسه النقابة عن المحامي المتقاعد الذي لم يحقق شرط السن هو تعويض معونة الوفاة، التي تنقسم لقسمين: قسم يستحقه المحامي عند تقاعده، والقسم الآخر يذهب للورثة.

 وفي حال تقاعد المحامي الذي أكمل الثلاثين عاماً ولم يصل إلى الستين من العمر وتوفي قبل ذلك، انتهى إلى خسارة القسمين في حياته ومماته نظراً لأنه لم يقبض القسم الأول وهو حيّ بسبب السن، ولم يُترك على حريته في وصيته بالنسبة للقسم الأول والثاني بعد وفاته وهذا ما سأشرحه هنا.

نأتي هنا إلى التعويض، أو ما يسمى معونة الوفاة، والتي هي خلاصة عمل المحامي خلال السنوات التي يزاول فيها مهنته ، ولطالما كانوا يقتطعون منه، في كل مناسبة، رسوماً مالية وغيرها لتدعم تلك المعونة ، التي ستعود إليه حقاً خالصاً له ، فإذا بالمادة المشار إليها أعلاه، تحدد له من هم المستفيدون منها بعده، وتحصر له الموصى بهم دون أن يحق له الخيار بالوصية، أو بأن يوصي خارج إطار أولئك الأشخاص. والالتفاف المضحك لهذه المادة سواء بالورثة أم بالوصية هو أنهم هم أنفسهم من يحق لهم هذه المعونة، وهم، إن كان متزوجاً: زوجته وأولاده ووالداه، وإن كان عازباً فوالداه فقط، بينما إن كان عازباً ولم يكن لديه والدان، وتوفي عن أشقاء له دون أن يوصي لهم حُرّمت على أشقائه المعونة ، لماذا؟ هكذا القانون… وبالتالي فإن قانون النقابة قد حصر الاستفادة من المعونة، سواء عن طريق الإرث أو عن طريق الوصية، بالأشخاص المحددين فيها ولا أحد سواهم:

عن طريق الإرث: الأم والأب والزوجة والأولاد فقط، وسواء كان عازباً أم متزوجاً.

 عن طريق الوصية: الأم والأب والزوجة والأولاد والأخوات والأقارب حتى الدرجة الرابعة.

 مما سبق يتبين أن المحامي الذي مهمته الدفاع عن حقوق الغير وتحصيل العدالة والمساواة،  لا يمكنه تحصيل العدالة في حقوقه الخاصة به وتحقيق المساواة بشأن يتعلق بحياته المهنية التي قضاها وأمضى عمره فيها ، بسبب قوانين ومواد تحكمه ولا تنصفه بأي حال من الأحوال. فالموكل يلجأ إلى المحامي، ليرفع له الدعوى أمام القضاء للإنصاف، بينما المحامي لا يمكنه اللجوء إلا إلى نقابته لإنصافه، فكم بالأحرى إذا كانت قوانين هذه النقابة أساساً جائرة بحق هذا المحامي وغير عادلة وتتحكم به لناحية العمر في التعويض، ولناحية الأشخاص وحصرهم في الوصية، وتقييد حريته بشكل كامل. هذا فقط بالنسبة لهذه المواد التي هي ملاصقة بشخصه ومن حقه الطبيعي أولاً وأخيراً وهو المعنيّ الأول بها، ولولاه لما وصلت ونشأت وكانت…ثم يأتي قانون مهنته يحرمه ميزاتها هكذا، بسبب ودون سبب، ولم يزل يظلمه حتى اليوم.

العدد 1105 - 01/5/2024