ذرائع التدخل الخارجي في سورية وروافع المواجهة

تعمل الأطراف التي توسلت التصعيد وتسليح المجموعات الإرهابية، وأصرت على استدعاء التدخل العسكري الخارجي لحل الأزمة السورية، تتجه إلى مستوى جديد من أعمالها العدائية ضد سورية شعباً ودولة ودوراً، وتقدم ذرائع واهية لتغطية تدخلاتها الفظة في الشأن الداخلي السوري، ولتبرير عقوباتها القاسية التي انعكست سلباً على حياة السوريين في مناحي حياتهم كافة.

والذرائع التي أعلنت عبر أقنية دبلوماسية رفيعة، وجرى التهويل بنتائجها عبر وسائل الإعلام، أو عبر أقنية استخبارية، تشير إلى نية الجيش السوري استخدام أسلحة كيميائية ضد المعارضة المسلحة، وتعبر عن القلق من وقوع مثل هذه الأسلحة في أيدي مجموعات متطرفة. ولأنها حريصة على منع هذين الأمرين، فقد أعدت خططاً للتدخل دون أي التفات إلى الوقائع على الأرض أو إلى الحراك الأممي المشتغل على خط الحل السياسي للأزمة، والمستند إلى مرجعيات واضحة ومتوافقة مع القواعد المعمول بها في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

وتزامن إطلاق هذه الذرائع والتهديدات مع اتخاذ »اجتماع أصدقاء الشعب السوري« في طوكيو عقوبات قاسية ضد سورية، تتصل بقطاع الطاقة، وكأن العقوبات المالية والإعلامية والتجارية والطبية والدبلوماسية الجائرة غير كافية! وتزامن مع قرب انعقاد »مجموعة أصدقاء سورية« التي ستعقد في المغرب من أجل »معالجة معاناة السوريين بتقديم السلاح والدعم اللوجستي والمالي لمجموعات مسلحة، يرتبط معظمها بتنظيم القاعدة، أو بتنظيمات تكفيرية مماثلة، وبأجهزة استخبارات معروفة تدير هذه المجموعات لأغراضها الخاصة«.

والإعلان عن الحظر المحتمل جاء على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون، ووزير الدفاع الأمريكي بانيتا (المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية »سي آي إيه«)، ثم توالت التهديدات من رئيس حكومة إسرائيل والأمين العام للناتو. وجرى تبرير القلق التركي من خطورة الأوضاع على الحدود مع سورية، والإسراع في تلبية طلب تركيا نصب شبكة قواعد لصواريخ باتريوت على أراضيها، وهي خطوة عدّها محللون مقدمة لتوريط حلف الناتو بالأزمة السورية. وكانت قيادة الحلف طيلة شهور تردد أنها لن تتدخل عسكرياً في سورية، ولم تتخلف فرنسا وبريطانيا وألمانيا عن تأييد خطط الحلف الجديدة.

وهذا التصعيد الذي تمارسه هذه الأطراف منذ بداية الأزمة في سورية مدعومة من دول خليجية معروفة أعلنت عداءها وإصرارها على تدمير الدولة السورية بكل الوسائل، واتهمت المجتمع الدولي الذي انتهج الحل السياسي سبيلاً وحيداً للخروج من الأزمة بالعجز، وأبدت استعدادها للمشاركة في أي عمل عسكري ضد النظام في سورية، كما فعلت من قبل في العراق وليبيا، واجه ردود فعل عديدة، وجرى تفنيد المزاعم وسد الذرائع بوقائع ملموسة.

فقد أرسلت الخارجية السورية عبر مندوب سورية الدائم بالأمم المتحدة رسالتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وإلى رئيس مجلس الأمن، أكدت فيهما أنها لن تستخدم الأسلحة الكيميائية، إن وجدت، ضد شعبها. وعبرت الحكومة السورية عن استغرابها لتجاهل الأطراف عينها القلقة على مخزونات الأسلحة الكيميائية في سورية ما أعلنته الحكومة السورية بشأن استيلاء المجموعات المسلحة على معمل خاص لإنتاج مادة الكلور السامة، وإمكان استخدام المسلحين لهذه المواد في العمليات العسكرية، واستهجنت الحكومة السورية عدم تحرك أطراف التصعيد للتعامل مع هذا الأمر الخطير.

وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة أن التقارير المتوفرة لديه لا تشير إلى وجود نية سورية باستخدام السلاح الكيميائي، وأكد وزير الخارجية الروسية لافروف أن التصريحات الغربية والإسرائيلية بشأن الأسلحة الكيميائية السورية مبالغ فيها كثيراً، وعبر عن القلق من نية الناتو نصب صواريخ باتريوت عند الحدود التركية مع سورية، ورأى أن الخطوة ستجر الناتو إلى التورط في الأزمة السورية، وستهدد الاستقرار في المنطقة كلها.

ونعتقد أن الذرائع الجديدة للتدخل العسكري الخارجي وتحركات القطع البحرية الأمريكية نحو المتوسط والتهديدات الإسرائيلية والتركية لا تثني السوريين، وهدفها إبقاء المنطقة كلها في دائرة التهديد وعدم الاستقرار وطمأنة إسرائيل وعرقلة الجهود الإقليمية والدولية الرامية لإقناع أطراف الأزمة بالدخول في حوار شامل، وبدء عملية سياسية متكاملة لحل الأزمة. وكانت هذه التهديدات تتزايد كلما بان خيط ضوء في نفق الأزمة، وكلما ظهر توافق على خطوة جماعية للحل السياسي، مثلما جرى أثناء إطلاق خطة النقاط الست أو اتفاق جنيف، أو أفكار الأخضر الإبراهيمي.. ويدرك مطلقو هذه المزاعم والتهديدات أنها لن تفضي إلى أي نتيجة.

ونرى أن مواجهة الذرائع والسيناريوهات المغامرة واحتمالات التدخل العسكري »المباشر أو بالواسطة« في سورية ممكنة، تؤكدها مجموعة من الوقائع على الأرض، ومجموعة من التبدلات إقليمياً ودولياً، والإجراءات التي يمكن اتخاذها وتهيئة المناخ لحوار جدي واسع في البلاد. فالعمليات العسكرية للجيش السوري ضد المجموعات المسلحة ومطاردتها، ومعرفة منابعها ومصادر تمويلها تؤكد ارتباطها بأطراف في دول الجوار وباستخبارات دولية معروفة، ويعدّ هذا نجاحاً ومتغيراً ملموساً على الأرض. وصرح الإبراهيمي بعد لقاء ثلاثي جمعه بلافروف وكلينتون، بأن توافقاً روسيا أمريكياً مزمعاً لتقديم حل خلاق للأزمة السورية يستند إلى اتفاق جنيف بات وشيكاً. وهذه خطوة لافتة أيضاً.. أما الإجراءات المطلوبة داخلياً فهي توسيع قنوات الحوار، وتنويع منابره وورشاته، وتمكين المعارضات السورية السلمية والقوى السياسية المعنية بالحل السياسي للأزمة من عرض رؤاها وأفكارها وطمأنة السوريين على أمنهم وتنقلهم وحاجات عيشهم الضرورية، وتخفيف تداعيات الأزمة على المتضررين من الفئات الشعبية والمهجّرين، وتعزيز ثقافة التعاون والمقاومة.

العدد 1104 - 24/4/2024