إن لم تملك الأصل لايمكنها التصرف بالفرع

رغم كل ما حصل من نضالات ومطالبات جريئة لتحرير المرأة وإيصالها إلى درجة المساواة المطلقة مع الرجل في مجتمعاتنا، إلا أن الواقع مازال يعاني من التناقض السلبي في هذا المجال، الذي ينتهي إلى الاستحالة في الوصول إلى الغاية المرادة، وهي أن تكون المرأة مواطنة من الدرجة الأولى كالرجل تماماً.

وتفسير هذا يأتي من نظرة متمعنة في القانون والتطبيق في مجتمع كمجتمعنا السوري مثلاً:

فالدستور السوري الحالي ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع في البلاد، ثم يناقض مادته هذه بأن يتحدث عن حقوق المرأة بالمواطنة والمساواة ويأتي به بشكل عرضي وعابر، لأن الأساس في النهاية للشريعة وقانون الأحوال الشخصية، وهذا ما يدعمه قانون الأحوال الشخصية نفسه إضافة إلى القانون المدني وقانون العقوبات الذي لم يزل يحتفظ بأسوأ مادة على الإطلاق تجاه المرأة وعبوديتها المطلقة للرجل، وهي جريمة الشرف وحق الرجل والمجتمع بقتلها، لغسل عارهم فيها.

إذا كان هذا هو قانون البلد فما بالكم بحال البلد وواقع المرأة فيه؟

النضال لا يكون من أجل تحرر المرأة بإقامة الندوات والمؤتمرات لهذا الغرض وإلقاء الخطب والشعارات، ثم يذهب كلٌّ في حال سبيله، النضال الحقيقي يكون في الوقوف مع المرأة بوجه التخلف والعادات والتقاليد البالية التي زرعها مجتمع بدائي وجعلها قانوناً ودستوراً حتى هذه اللحظة. ولعب المشرع فيه على الكلمات والألفاظ ليًبين لمن يقرؤه لأول وهلة وكأن المرأة في قمة التحرر،لكن واقع المواد وواقع الحال ينتهي إلى إثبات المصلحة الذكورية على حساب حركة تحرر المرأة وتطورها في المجتمع.

فالقوانين السورية بمجملها منطبقة على واقع سوري قائم هذا صحيح، وتُعبر عنه تعبيراً دقيقاً جداً، لكنه ليس واقعاً إيجابياً وحضارياً، وليس واقعاً يجعل من المرأة كياناً مستقلاً بذاتها ومواطنة بكل معنى الكلمة، إنه واقع يعبر عن بيئة مازالت تفكر بذهن رجعي لسنين مضت، ولا يهمك المتعلم من غيره، فبالنهاية عند اللحظة الحاسمة لتطبيق قانون أو اتفاقية دولية تنصف المرأة وتساويها مع الرجل في الحقوق والواجبات، ستجد المجتمع الحقيقي ووجهه الحقيقي الملائم للقوانين والدساتير النافذة بحقها، وستجد حينئذ الجواب لفشل حركات النضال حتى الآن التي لم تستطع إلزام الدولة بالتصديق دون أي تحفظ على اتفاقية تضمن حقوقها كاملة وتجعلها دستور للبلاد.

وهنا ما يعني استخدام المرأة في مجتمعنا لترويج التحرر باسمها، بأن يتم تعيينها بمناصب في الدولة أو ما شابه، وجعلها مسؤولة عن أشخاص في قطاعات عامة أو خاصة وغيره، وهي في حقيقة الأمر أمام القانون منظور إليها على أنها قاصر ووليها هو الآمر الناهي بحياتها حتى سن الأربعين في الأحوال الشخصية، وزوجها مهما علت رتبتها ولو كانت تفوقه علماً وثقافة يحق له قتلها بالدافع الشريف ولو تبين له بعدئذ براءتها، لأن القضاء حتى اللحظة لم يحكم جريمة شرف على امرأة وفق قانون العقوبات أبداً ووفق شروطه ولم يزل يًبرئ الرجل مما يقترفه من جرائم قتل تحت هذا المسمّى ولو اختلفت الظروف والشروط، مادام رجلاً ومادامت امرأة.

أما الذي يُحزن فهو أن تكون المرأة قاضية في مجتمعنا وتقضي وتحكم بين الناس وباسم الشعب العربي السوري، لكنها لا يمكنها أن تقضي بحرية في حياتها الشخصية، فهي ليست ملكها إنما ملك وليها وشقيقها وزوجها والقاضي الشرعي. حتى أطفالها القصّر ليسوا ملكها ولا ولاية أو وصاية لا عليهم، إنما الولاية والوصاية هي لذوي العصبات، أي للذكور حصراً.

تصبح وزيرة في بلادنا نعم، لكن عند القاضي الشرعي هي نصف إنسان بشهادتها لا تُعتبر شهادتها إلا بوجود امرأة أخرى معها، فتقوم الشهادة حينئذ مقابل شهادة رجل، ربما هذا الرجل يعمل عندها أو تحت يدها، لكن لا يهم، هكذا هو القانون النابع من مجتمع متعفن لم يأبه حتى اللحظة بالتطور والحضارة ولا يقبل بهما إلا مرغماً في بلاد الغرب، عندما يركض لاهثاً إليها للإقامة والجنسية والعمل.

العدد 1107 - 22/5/2024