المشهد الدرامي السوري 2013 عين خجولة على الأزمة

لا يمكن الحديث عن الدراما السورية بمعزل عن مجريات الحدث السياسي، الذي طال كل السوريين. وبات لزاماً أن يكون الواقع السوري المشتعل عنصراً لا بد من تلمسه في المنتج الدرامي المحلي، الذي استطاع منذ عقدين تأكيد حضوره، بوصفه منتجاً درامياً يسعى لالتقاط الأحداث الساخنة، ليكون عاكساً لهموم المواطن ومشاغله.

ورغم تعرّض الدراما السورية في أكثر من مناسبة للنيل منها عبر محاولة تجفيف مصادر تمويلها، التي كان المال الخليجي يشغل جزءاً كبيراً منها، ومحاصرتها بقرارات عدم شراء الأعمال المنتجة وعرضها على بعض الفضائيات العربية، رغم ذلك فقد استطاعت أن تتخطى الكثير من العقبات، وتخرج في أحلك الأوقات من (عنق الزجاجة).

في هذا الموسم الدرامي الرمضاني، في دورته الثالثة، على إيقاع الحدث السوري الذي يعم الوطن، وفي ظروف عربية استثنائية بالغة التعقيد، توجب على منتجي وصنّاع الدراما السورية من كُتَّاب ومخرجين وممثلين وفنيين، لإنقاذ (دراماهم) أن يكونوا أكثر التصاقاً بالواقع، وأعمق التحاماً بهموم الناس، واتصالاً بالحدث اليومي المشتعل لتحقيق المعادلة الصعبة، وهي الحفاظ على جمهورها العريض في سورية والوطن العربي من جهة، وعلى كسب أكبر عدد ممكن من القنوات الفضائية، لا سيما الخليجية منها لتقتني المنتج الدرامي حصراً، مما يحقق أعلى مردود مالي للشركات المنتجة.

ومما لا جدال فيه أن الدراما السورية تصدّت في السنوات الخمس الماضية بموضوعية وجرأة، في الأغلب من منجزها الإبداعي، للقضايا الإشكالية بأبعادها السياسية والاجتماعية. وقد بات المطلوب منها، بعد الأحداث الجسام التي يعيشها السوريون على وقع أزمتهم الغارقة في أجندات إقليمية ودولية، أن تكون أكبر من الطموحات والرؤى الآنية. فالأحداث المتسارعة التي تعصف بالبلد تستلزم وتتطلّب الارتقاء بالخطاب الدرامي كي يكون مواكباً لهذه الأحداث المشتبكة في مفاهيمها وتحليلاتها وتوقعاتها.

اختلفت الأرقام، ما بين مصدر وآخر، بشأن كمّ عجلة الإنتاج الدرامي لهذا الموسم، التي تأثرت بثقل مجريات الأحداث التي نعيشها. غير أن الإحصائية الدقيقة التي وقفنا عليها تفيد أن الكم الإنتاجي بلغ ثلاثين عملاً درامياً – لم يدرج منها ثلاثة أعمال في العرض الرمضاني الحالي – وقد صورت هذه الأعمال في أربعة بلدان عربية هي: (لبنان والأردن والجزائر وأبو ظبي)، إضافة إلى سورية، التي اقتصر التصوير فيها على ثلاث محافظات (دمشق، السويداء، طرطوس)، ضمن ظروف خاصة جداً، وأجواء أمنية غير مستقرة في بعض الحالات. وهو ما فرض أشكالاً إنتاجية ميزت دراما هذا العام: (حلقات منفصلة، خماسيات وثلاثيات، وحلقات النصف ساعة، وحلقات الدقائق العشر).

إذن يشاهد جمهور الدراما السورية هذا الموسم ستة أعمال تنتمي إلى ما اصطلح على تسميته (مسلسلات البيئة الشامية)، وستة أعمال كوميدية، وأحد عشر عملاً اجتماعياً، منها ما ابتعد عن تناول الأزمة السورية، بينما تعاطت أربعة مسلسلات مباشرة مع الواقع السوري الملتهب، وإن بأشكال وطرق متعددة ورؤى إخراجية مختلفة.

وبسؤالنا للناقد الفني بشار إبراهيم عن رأيه بالدراما السورية في هذا الموسم، وإلى أي مدى اقتربت من الحدث؟ قال: (دراما هذا العام لم تتجاهل واقع الحال، بل تعاملت معه تعاملاً مباشراً، وغير مباشر، وبجرأة، وبحذر). يضيف إبراهيم: (لو تجاهلت الدراما السورية الواقع السوري الغارق بالدم والدمار.. وهي كانت قادرة طبعاً على فعل ذلك، لكانت سقطت سقوطاً ذريعاً.. وتصرفت تصرفاً شائناً.. هنا ينبغي الإشادة بما فعلته الدراما السورية، من حيث المبدأ، بإدراكها أن الدراما لابد أن تكون على صلة بالواقع، منظوراً إليه من زوايا مختلفة، تتعلّق باختلاف صُنَّاعها. وهو أمر طبيعي، وحق لا غضاضة فيه. يمكن للمشاهد المتابع للموسم الدرامي السوري، ملاحظة أن عدة أعمال اتجهت للتعامل مع الأزمة السورية، انطلاقاً من رصد آثارها الدامية على البشر والحجر، ولم تعتن بالسؤال الأساس: لماذا؟.. واكتفت بإجابة: كيف؟.. صحيح أن بعض الأعمال حاول أن يقول لنا لماذا وكيف تدحرجت الأمور إلى نقطة الانفجار؟ ولكنها مع ذلك بقيت بعيدة عن مسألة التحليل التاريخي، ونسجت على خيط، نسلته من قميص الرواية السورية الكاملة، واكتفت به. أعتقد أن الخيار الذي انتهجته الدراما السورية هذا العام هو الخيار الأكثر ذكاء.. ليس ثمة أعمال موالية نهائياً، ولا أعمال معارضة نهائياً.. ثمة مساحات للقول وضده، ولوجهة النظر ونقيضها.. وكان واضحاً أن هذا ليس هاجس الدراما السورية، بمعنى أنه لم يكن غايتها الانتصار لهذا الرأي أو ذاك، بمقدار اهتمامها بإبراز كارثة ما فعله السوريون بأنفسهم، وصنعوه بأيديهم. لا أعتقد أن المهم الانتباه لغضب هذا أو ذاك.. فالتطرّف والإقصاء.. يجد له مساحات واسعة.)

 

دراما الأزمة المشتعلة..

تناولت الدراما الأزمة السورية المشتعلة في هذا الموسم في أربعة أعمال، حاولت التصدي لمهمة نقل نبض الواقع المعيش، إلى الشاشة الفضية، لتضيف إلى درامانا ما كان قد بدئ به العام الماضي، عندما حضرت الأزمة في بعض الأعمال وإن بصورة أقل جلاء مما سيكون الوضع عليه هذا العام.

 أول هذه الأعمال وأكثرها جرأة مسلسل (الولادة من الخاصرة 3 – منبر الموتى)، عن نص للكاتب سامر رضوان، ومن إخراج سيف الدين سبيعي.

أما العمل الثاني فقد حمل عنوان (سنعود بعد قليل)، للكاتب الممثل رافي وهبي والمخرج الليث حجو، ويتناول العمل الواقع السوري من بوابة اجتماعية بحتة، بعيداً كل البعد عن الاشتباك السياسي القائم.

أما مسلسلا (تحت سماء الوطن)، و(وطن حاف)، فهما من إنتاج (مؤسسة الإنتاج التلفزيوني والإذاعي) التابعة للقطاع العام. وقد تصدى لإخراج العمل الأول المخرج نجدت إسماعيل أنزور، عن نص كتبه مجموعة من كتّاب الدراما. بينما ركز مسلسل (وطن حاف)، من تأليف كميل نصراوي، وتقاسم إخراجه مناصفة المخرجان محمد فردوس أتاسي ومهند قطيش، على انعكاسات الأزمة الحالية على حياة الناس من خلال مواقف مُضحكة مُبكية.

العدد 1105 - 01/5/2024