أمل جديد بالحل السياسي للأزمة

أمسك السيد رئيس الجمهورية في خطابه الهام، بالحلقة الأساسية التي حاول ويحاول الحلف الأمريكي – الأوربي – التركي والخليجي المعادي لسورية، تغييبها والتعامي عنها في جميع المحاولات والجهود التي بذلت وتبذل لإيجاد حل للازمة السورية، ألا وهي مسألة الإرهاب الوحشي المستورد ودوره في بقاء الأزمة واستفحالها.

لقد أنكرت دول هذا الحلف وأتباعها وخدمها في الداخل، منذ البداية، أي دور لهذا الإرهاب ومظاهره اللاإنسانية واللاأخلاقية، في استمرار الأزمة، بل وأنكرت بكل صفاقة وجود أي عامل خارجي في الموضوع، وتهربوا من إعطاء تفسير لوجود هذا السيل الهائل من الأسلحة في يد المجموعات الإرهابية المدججة بالسلاح، التي تسللت بالألوف إلى الأراضي السورية عبر الحدود التي فتحت كلياً مع تركيا ونسبياً مع لبنان.

وجاءت بعثة الفريق (الدابي) لتميط اللثام رسمياً ولأول مرة عن وجود طرف خارجي يقاتل الجيش العربي السوري، فكان أن اغتيلت تقاريره وشهاداته المحايدة على يد (عربان) الخليج أولاً وعلى يد الدول الكبرى التي تقف وراءهم تالياً، بل إنه مُنع من تلاوتها وعرضها على مجلس الأمن بطريقة فظة ولاقانونية، ثم أجهضت مهمة كوفي عنان وبعدها بعثة الجنرال الأممي (مور) التي بنيت على أساس هذه الحقائق.

وبعد ذلك تزايدت أعمال الإرهاب داخل سورية، وتفاقمت وحشية صانعيها، وازداد التدخل الخارجي المسلّح دون أن يهتز ضمير أحد منهم، بل دأبوا على اختلاق الأعذار والمبررات المنافية للقانون الدولي الذي يمنع منعاً باتاً استخدام أراضي الدول المجاورة لتغذية النزاعات الداخلية في أراضي الغير.

وبدلاً من إعمال مبادئ الأمم المتحدة التي تنص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من البلدان الموقعة على ميثاقها، أخذوا يشترطون لحل الأزمة تقديم تنازلات تمس بالسيادة الوطنية السورية، التي يعرفون جيداً أنه لا يوجد سوري وطني واحد يقبل المساس بها.

ومرت شهور، وأعمال القتل والاغتيال والذبح والتخريب للمنشآت السورية العامة والخاصة، جارية على قدم وساق، وكأن الموضوع لا يعنيهم بشيء، بل ما يعنيهم هو تمزيق الوطن السوري العزيز وتقطيع أوصاله وإضعاف قدرات جيشه الباسل أمام العدو الإسرائيلي.

إن المواطنين السوريين الذين يتلهفون لإنقاذ بلادهم وأرواحهم من شرور وإجرام هذه المجموعات المسلحة التي استقدمت ألوف المرتزقة من جميع أنحاء الأرض، لم يفقدوا الأمل في إيجاد حل سياسي للأزمة، عبر الجهود والمبادرات السلمية المطروحة، ولكنهم يشعرون بالتقصير الدولي الشديد في إبراز قضيتهم الأساسية ووضعها في المرتبة الأولى وهي وقف تسلل التكفيريين والجهاديين إلى أراضيهم والأعمال الإجرامية التي يقومون بها، والتي تشكل عدواناً خطيراً على الوطن السوري.

وجاء خطاب السيد الرئيس ليضع هذه القضية الآن في مكانها الأولي الرئيسي الذي لم يعد هناك مناص من جعلها قضية محددة لجميع النقاط والمراحل التي رسمها أسساً لحل الأزمة، وبها يبدأ الحل، ولا حل من دونها.

ولكن الخطاب لم يهمل البعد الداخلي للأزمة، وهو إذ وضع هذا البعد في إطار الدفاع عن الوطن وفي إطار أننا نحتاج إلى إصلاح في جميع الميادين، فقد رسم ما يمكن تسميته بخريطة طريق لحل الأزمة موزعة على خمس مراحل تتضمن حواراً وطنياً شاملاً وميثاقاً وطنياً يرسم المستقبل السياسي لسورية، ويطرح النظام الدستوري والقضائي والملامح السياسية والاقتصادية، والاتفاق على قوانين جديدة للأحزاب والانتخابات والإدارة المحلية وغيرها، عبر آليات قانونية كالاستفتاء الشعبي وتشكيل حكومة موسعة تكلف بتنفيذ بنود الميثاق الوطني.

إن المبادرة الجديدة التي أطلقها الرئيس الأسد تنسجم مع السعي الدولي الجاري لاعتماد بنود وثيقة جنيف كمدخل للحل السياسي للأزمة السورية، وتضع العربة أمام السكة الصحيحة من خلال تكامل مسألة الدفاع عن الوطن ومكافحة الإرهاب مع مسائل الإصلاح الداخلي، دون إغلاق الأبواب أمام أي جهد أو مبادرة دولية تنطلق من احترام استقلال سورية وسيادتها، وعدم فرض الإملاءات والشروط عليها، وصولاً إلى العفو والمصالحة الوطنية الشاملة وإقامة المجتمع الديمقراطي التعددي.

العدد 1105 - 01/5/2024