تمويل صفقات المستوردين مَن المستفيد… وأين التدخل الحكومي؟!

رغم تخبط السياسات التي تتخذ لمعالجة ارتفاع أسعار القطع الأجنبي في السوق السورية، أكدت الحكومة استعدادها لتمويل مستوردات القطاع الخاص من المواد الضرورية للمواطن السوري بالقطع الأجنبي اللازم، ومن يدقق في محتويات مخازن المواد الغذائية، يلاحظ دون مشقة توفر الأنواع والكميات التي تتناسب مع رغبات المواطن. لكن المعضلة الكبرى التي تواجه هذا المواطن هي توفر القدرة الشرائية التي تسمح له شراء هذه المواد والسلع بالأسعار التي يفرضها أثرياء الأزمات وبعض كبار التجار والمحتكرين، بعيداً عن رقابة الحكومة.

إذا كان متوسط الأجور(المجمدة دون سبب واضح) في القطاعين العام والخاص لايتجاوز 13 ألف ليرة سورية، فكيف يحصل المواطن على المواد والخدمات الأساسية التي ارتفعت بنسبة تتجاوز100%، وبعضها تجاوز200%؟! والأكثر ضرورة مفقود في مستودعات الحكومة، كالمازوت والغاز، ومتوفر في السوق (الكالحة) بأسعار خيالية قد تصل إلى أربعة أضعاف السعر الرسمي؟!

لتلبية حاجة مَن يستورد القطاع الخاص؟ ولمصلحة من تمول الحكومة مستوردات هذا القطاع؟

إذا كان المواطن ذو الدخل المحدود جداً، والذي ينتمي إلى الأكثرية المطلقة من أبناء الشعب السوري هو الهدف، فنحن نؤكد للحكومة أن الكرة خرجت (أوت)، ولم تقترب حتى من العوارض الثلاث، فحسب الأسعار السائدة في السوق الحر من القيود، ينبغي أن يكون متوسط الأجور 30 ألف ليرة سورية.

إذا كانت الحكومة لاتستطيع التدخل في تحديد السعر بسبب القوانين التي سنتها الحكومات السابقة لمصلحة القطاع الخاص التجاري، وتنفيذاً لقوانين السوق الحر، فالأمر سهل كما نعتقد، إذ يكفي تغيير هذه القوانين، وسن تشريعات جديدة تبيح للدولة التدخل في عمق العملية الاقتصادية، أسوة بالقطاع الخاص لا بديلاً له.

أما إذا كانت الظروف التي تمر بها بلادنا تعيق اللجوء إلى هذا الحل، فلماذا لا نكلف مؤسسة التجارة الخارجية الحكومية باستيراد جميع المواد التي يحتاجها المواطن، كأي تاجر عادي، ثم تطرح هذه المواد في الأسواق بأسعار تناسب دخول(المعتّرين)؟

لقد أكد اتحاد نقابات العمال في مذكرة رفعها إلى الحكومة منذ أيام، ضرورة ربط مفهوم المسألة السعرية بالقوة الشرائية الحقيقية لدخول أغلبية المواطنين، وبما يشكل آلية حمائية للحد من تدهورها، ومن ثم تأمين درجة عالية من الأمن الاقتصادي، واستمرار تأمين الحاجات الأساسية للإنتاج وسلع الاستهلاك الأساسية. إضافة إلى أهمية إعادة تقييم العلاقة القائمة بين تغيّر سعر صرف العملات الأجنبية والأسعار، وخاصة للمواد والسلع الضرورية، واتخاذ إجراءات عاجلة للحد من تحكم تجار الأزمة والاحتكار والسوق السوداء.

واقترح الاتحاد في مذكرته العودة عن تعدد التسعير إلى التسعير المركزي للمواد والخدمات الأساسية، وإنشاء لجنة في رئاسة مجلس الوزراء تضم جميع الأطراف المعنية (حكومة- عمال- فلاحين- تجار- صناعيين) تضع الخطوط العامة للسياسة السعرية والأسعار، والعودة إلى مسألة القوة الشرائية والأسعار وتكاليف المعيشة، كما وردت منذ نحو 25 عاماً، والتي اعتمدت منهجاً يقوم على أن وسطي عدد السعرات الحرارية اللازمة للفرد هي 2400 حريرة، وهو ما يتطلب تناول وجبة غذائية إجمالية تتضمن كلفتها حسب الأسعار الحالية 95 ليرة سورية في اليوم للفرد، أي 475 ليرة لأسرة مؤلفة من خمسة أفراد، وتبلغ 250,14 ليرة شهرياً.وإذا أضفنا الإنفاق على المواد غير الغذائية والخدمات الأساسية فإن هذا الإنفاق يساوي من حيث التكاليف الإنفاق على الغذاء (ماء- كهرباء- نقل- هاتف- صحة وأدوية- لباس- مواد طويلة المدى للاستهلاك… إلخ) أصبح الإنفاق اللازم لأسرة من 5 أشخاص 500,28 ليرة شهرياً. في حين ماتزال الأجور على حالها بمتوسط لايتجاوز 000,13 ليرة سورية.

تمويل مستوردات القطاع الخاص خطوة هامة، لكن الأهم، حسب اعتقادنا، هو تدخل الحكومة كي تصبح هذه المستوردات، وغيرها من المواد الضرورية، وخاصة الغذائية منها، في متناول الفئات الفقيرة والمتوسطة.

العدد 1105 - 01/5/2024