في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة المرأة السورية في مواجهة عنف مضاعف

يأتي الخامس والعشرون من تشرين الثاني من كل عام بوصفه يوماً عالمياً من أجل رفع العنف والتمييز عن المرأة، وقد أقرّته الأمم المتحدة عام1999 بإصدارها القرار (54/134) ليكون هذا اليوم حصيلة كفاح الناشطين/ ات تخليداً لذكرى الأخوات ميرابال اللواتي تمّ اغتيالهن بوحشية، بأمر من ديكتاتور الدومنيكان رافاييل تروخيلو عام 1960.

ويعتبر هذا اليوم مناسبة للوقوف على معاناة النساء المتمثلة بأنواع مختلفة ومتعددة من العنف الجسدي والنفسي والمعنوي.. إلخ، كما تُعتبر فرصة لحثَّ المسؤولين على اتخاذ الإجراءات والتدابير الكفيلة بالاستئصال والقضاء النهائي على ظاهرة العنف ضد المرأة، التي مازالت الضحية الأساسية لانتهاكات حقوق الإنسان سواء على المستوى العالمي أو الوطني، ذلك أنّ ثُلث نساء العالم على الأقلّ تعرّضن ويتعرّضن يومياً للضرب أو سواه من أشكال سوء المعاملة، مرّة في حياتهن، ومن أقاربهن على الغالب.

كما أقرت لجنة الأمم المتحدة للمرأة بتاريخ 15/3/2013 إعلاناً يدعو إلى إنهاء العنف ضد النساء وحمايتهن من التحرش الجنسي والاغتصاب.

وقد عُرِّفَ العنف في الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة بأنه:

((أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يُحتمل أن ينجم عنه أذىً أو معاناة جسمية أو جنسية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء أوقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة)).

وإذا ما أردنا استعراض وضع المرأة السورية بشكل عام، وفي ظل ظروف الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين ونصف بشكل خاص، نجد أنها تعرضت وتتعرض يومياً لعنف مضاعف وفظيع، بسبب ما يجري في البلاد أو في مناطق النزوح واللجوء.

ففي الداخل تُعاني المرأة أشدّ أنواع القهر والعنف بحكم الحرب وما جرّته من نزوح داخلي طال الآلاف ووضعهن في ظروف معيشية قاسية ومريرة من حيث الحاجة إلى مكان يؤويهن وأطفالهن، إضافة إلى تأمين لقمة العيش التي بات تأمينها أمراً صعباً وقاسياً في ظروف اقتصادية مريرة وغلاء يستحيل معه على النساء تأمين ما يسد رمق الأطفال منفردات، في ظل غياب الرجل الذي استشهد أو اعتقل أو اختطف أو ذهب للقتال، وهذا ما يجعل أولئك النسوة عرضة لمحاولات التحرّش والاغتصاب أو الاستغلال في أعمال وضيعة إن وجدت لا تكفي لوأد الجوع، لذا بات مشهد المرأة بصحبة أطفالها متسولة في الشوارع أمراً عادياً لم يعد يحرّك الضمير أو الوجدان الاجتماعي أو الرسمي، ولا أولئك الداعين لمناهضة العنف ضدّ المرأة.

إن هذا الوضع بشكل عام يقود المرأة إلى اتجاهات مختلفة تعمل على إضعاف موقفها ودورها في الحياة، فينشط الزواج المبكر لفتيات لم يبلغن سن النضج بعد أن حُرمن من إكمال تعليمهن، بسبب النزوح وتدمير المدارس وخشية الأهل من تعرض الفتاة للاغتصاب أو ما شابه، ومستقبلاً ربما يؤدي هذا الزواج إلى الطلاق الذي ارتفعت نسبته في السنتين الماضيتين إلى مستويات مرعبة، حسب المسؤولين والقضاة في المحاكم الشرعية السورية، إذ دفعت الأحداث الجارية العديد من النساء لطلب الطلاق بسبب تباين الموقف السياسي بين الزوجين من تلك الأحداث، إضافة إلى الوضع الاقتصادي المرير الذي تفشت معه البطالة بعد تسريح العديد من الرجال من أعمالهم، وتصدي المرأة لتأمين احتياجات الأسرة ما دفع بالعديد من أولئك الرجال لممارسات ذكورية عنيفة ضدّ المرأة خشية فقدان سلطتهم التقليدية مما فاقم حدّة المشاكل الموجودة أصلاً، ودفع بالمرأة ذاتها إلى طلب الطلاق خلاصاً أخيراً من عنف متعدد الأشكال والاتجاهات.

كما لا يفوتنا تذكر أنواع أخرى من العنف الروحي والنفسي تُعانيه المرأة السورية بحكم الحرب، ألا وهو فقدان الأحبة من أبناء وإخوة وزوج ذهبوا ضحية ما يجري قتلاً أو خطفاً أو اعتقالاً، لذا تراها دائمة القلق والتوتر على مصير أولئك الرجال، حيرى بين واجب يتطلب منها تشجيعهم والصمود أمامهم، وعاطفة تغتال كيانها فتعصف بمشاعرها وأمومتها الممزوجة بالفخر حيناً، والحزن حيناً آخر. فكم من أمّ ثكلى على مساحة سورية فُجعت بفلذة كبدها من أجل الوطن، تجدها تائهة بين تناقضات مشاعرها وأمومتها، وبين محبة الوطن وحمايته، وكم من زوجة فقدت زوجها لتجد نفسها(وربما صغيرة السن) مسؤولة عن أسرة بكل احتياجاتها النفسية والعاطفية والمالية.

 أيضاً لا يمكن إغفال ما تتعرض له المرأة عندما تنخرط في العمل السياسي الذي يقودها للاعتقال أو حالات أخرى تجعلها مثار انتقادات اجتماعية ترفض ممارسة المرأة لهذا النشاط في الحالات الطبيعية، فكيف سيكون الوضع في الحالة الاستثنائية التي تعيشها البلاد…؟ ورغم ذلك تجد الكثير من النساء اللواتي لا يُعرن اهتماماً لكل تلك الانتقادات أو الرفض الاجتماعي أمام رغبتهن وإيمانهن العميق بضرورة المشاركة في الحياة السياسية من أجل النهوض بالحياة الإنسانية عموماً.

أما ما تتعرض له المرأة في بلدان النزوح واللجوء فهو أكثر فظاعة وقهراً، فقد راج استغلال النساء جنسياً تحت مسميات عدة كزواج السترة وما شابه، إضافة إلى الاتجار بالفتيات عبر شبكات دولية تعمل في الأوساط السورية النازحة من بلاد الحرب، بقصد الإيقاع بأكبر عدد ممكن من القاصرات اللواتي يتمّ استقدامهن من مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا والأردن ولبنان، ليتمّ تحويلهن إلى إحدى دول الخليج للعمل في مجال الدعارة.

فقد ذكرت صحيفة (ديلي تليغراف) البريطانية أواخر كانون الثاني الماضي في تقرير لها أن نساء وفتيات سوريات لا تتجاوز أعمارهن 14 عاماً يُعرضن للبيع وللزواج القسري أو البغاء بعد أن يُصبحن لاجئات. مبيّناً أن المئات من اللاجئات السوريات في الأردن تأثّرن بهذه التجارة غير الرسمية، إذ يقوم الرجال الطامعون بهن باستخدام عملاء كمدخل لاستخدامهن لأغراض الجنس مقابل المال. وأضافت الصحيفة أن هذه الممارسات تتم غالباً تحت ستار الزواج المؤقت الذي يستمر بضعة أيام أو حتى ساعات مقابل دفع مهور للاجئات.

كما لا ننسى استغلال النساء والفتيات السوريات في تلك البلدان من أجل العمل خادمات مقابل أجر زهيد لا يكاد يسد رمق الجوع والمرض، من خلال إعلانات ذاع صيتها ترغب بالسوريات تحديداً، في محاولة للإمعان في إذلالهن واستغلال ظروفهن القاسية في العديد من تلك البلدان.

هذا بعضٌ مما تتعرض له نساء سورية منذ أكثر من عامين، إذ تُعتبر المرأة الكائن الأضعف من جهة، والذي يُمثّل شرف العائلة من جهة أخرى، فيكون العقاب والانتقام بانتهاك الجسد والشرف معاً.

إنه بامتياز انتهاك لحقوق الإنسان ولكل المواثيق الدولية، باعتباره اتجاراً بالبشر والرقيق الأبيض في زمن التشدّق الدولي والمنظمات الدولية بحماية المرأة وصون حقوقها، فأين هذه المنظمات مما تتعرض له المرأة السورية في الداخل والخارج..؟ وإلى أيّ حد يُعتبر اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وإعلان لجنة الأمم المتحدة أعلاه إيجابياً وفعّالاً تجاه السوريات وما يُعانينه من اغتصاب وقتل وتهجير وانتهاك لحقوقهن وكرامتهن الإنسانية.؟

وكيف لنا نحن السوريات أن نُحيي هذا اليوم في ظل كل هذه الانتهاكات اليومية بحق النساء السوريات في الداخل والخارج دون أن يرفّ جفن أو يتحرك ضمير إنساني عالمي أو محلي؟

العدد 1107 - 22/5/2024