قراءة حول مؤتمر جنيف 2

انطلقت فعّاليات مؤتمر جنيف 2 يوم الأربعاء 22/1/2013 وسط خلافات حول تفسير بنود (جنيف 1) التي أقرها اجتماع دولي عُقِدَ في الثلاثين من شهر حزيران عام 2012 قد تُهدد فرص الخروج بنتائج ملموسة تفضي إلى حل سياسي للأزمة السورية. وقد افتتح المؤتمر في مدينة مونترو السويسرية، بحضور مجموعة العمل الدولية حول سورية، وغياب إيران، الدولة المعنية أكثر من بعض الدول بالحضور، فقد سُحبت الدعوة الموجهة إلى إيران لحضور المؤتمر، بعد أقل من 24 ساعة على تلقيها الدعوة من أمين عام الأمم المتحدة السيد بان كي مون، بحجة عدم موافقتها على مقررات جنيف 1.

فما هي أهم البنود والقرارات التي أقرها مؤتمر جنيف 1؟

أقرَّ مؤتمر جنيف 1 في بيانه الختامي ما يلي: إن أي تسوية سياسية للأزمة السورية يجب أن تتضمن مرحلة انتقالية من خصائصها:

* توفير مستقبل يمكن أن يشارك فيه جميع السوريين.

* تحديد خطوات واضحة وفق جدول زمني حاسم باتجاه تحقيق ذلك المستقبل.

* أن تكون هذه التسوية قابلة للتحقق في مناخ من الأمن والهدوء والاستقرار للجميع.

* أن يتم التوصل لهذه المرحلة الانتقالية بسرعة دون مزيد من إراقة الدماء والعنف.

وحدد البيان الخطوات الرئيسية في المرحلة الانتقالية، وهي:

* تأسيس هيئة حكم انتقالي بسلطات تنفيذية كاملة، تتضمن أعضاء من الحكومة السورية والمعارضة، ويتم تشكيلها على أساس القبول المتبادل من الطرفين.

* مشاركة جميع عناصر المجتمع السوري وأطيافه في عملية حوار وطني هادف.

* مراجعة النظام الدستوري والقانوني في سورية.

* إجراء انتخابات حرة ونزيهة وتعددية لشغل المؤسسات والمناصب الجديدة التي يتم تأسيسها.

* تمثيل كامل للمرأة في كل جوانب المرحلة الانتقالية.

أهم ما جاء في الافتتاح

متجاوزاً المدة المحددة للكلام، ومتجاهلاً الجرس الذي قرعه مرات عدة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لمقاطعته، متذرعاً بأنه قطع كل تلك المسافة بالطائرة ليتحدث عن سورية، وجّه وليد المعلم اتهامات لبعض الدول المشاركة في المؤتمر بأنها (تحاول إعادة سورية إلى القرون الوسطى)، وأشار إلى (مسؤولية تلك الأنظمة عن سفك الدماء خلال ثلاث سنوات).

ووسّع المعلم دائرة تفسيراته في وصف الجرائم الحاصلة في سورية، التي (ترتكبها الفصائل المعارضة)، وسأل عن مدى أهليتها لتحقيق حياة حرة وديمقراطية.

وجدد المعلم اتهام حكومة رجب طيب أردوغان التركية بسماحها بـ(تدريب الإرهابيين وتسليحهم وتوريدهم إلى الداخل السوري).

ودافع عن تدخل (حزب الله) العسكري في سورية، واصفاً ذلك بأنه مجرد (بضع عشرات من شباب مقاوم كانوا مع الجيش في بعض المناطق).

وأكد أنّ سورية ستعمل كل ما يحق لها للدفاع عن نفسها، محمّلاً بعض (الجيران) مسؤولية إشعال النيران. وقال إنّ الوفد السوري جاء إلى جنيف للحيلولة دون انهيار منطقة الشرق الأوسط، مؤكداً أن الحوار بين السوريين هو الحل. وخاطب المعلم نظيره الأمريكي بالقول إنّه لا يحق لأحد في العالم عزل الرئيس الشرعي للبلاد.

في المقابل، التزم رئيس الائتلاف السوري لقوى المعارضة، أحمد الجربا، بتوصيات رئيس المؤتمر، ولم يتجاوز الوقت المحدد له. بادئاً كلمته بقصة هاجر الفتاة السورية التي ادعى أنها قتلت على يد أفراد من الجيش العربي السوري، في بدايات الأزمة السورية.

وساوى الجربا بين من وصفهم  بـ(إرهابيي حزب الله) ومقاتلي (الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش)، معلناً أن (الشعب يواجه الإرهابيين).

ودعا في الوقت نفسه الوفد الحكومي السوري إلى توقيع وثيقة (جنيف 1) لـ(نقل صلاحيات) الرئيس بشار الأسد إلى حكومة انتقالية. وأضاف: (عندما نقول جنيف واحد، نعني وقف قصف المدنيين وإطلاق الأسرى، وسحب قطعان الشبيحة الإرهابيين من المدن، وطرد المرتزقة، وفك كل أنواع الحصار لوقف حالات المجاعة التي يعيشها شعبنا). ولفت إلى أنّه (حضرنا استناداً إلى موافقتنا الكاملة على نصّ الدعوة (…) التي تنص على تطبيق جنيف واحد وإنشاء هيئة الحكم الانتقالية، التي هي الموضوع الوحيد لمؤتمرنا هذا). وشدد على (أنّنا لسنا بوارد مناقشة أي أمر في عملية التفاوض قبل بتّ هذه التفاصيل وفق إطار زمني محدد ومحدود). بينما أمل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في كلمته، في أن يمتنع جميع اللاعبين الخارجيين عن محاولات إقرار نتائج (جنيف 2) مسبقاً، وعن خطوات قد تؤدي إلى إحباط المفاوضات، أكد أن أمام المشاركين مهمة وقف النزاع الذي (يدمّر هذه الأرض العريقة). وتابع: (لا يمكننا أن نسمح لموجة الاضطرابات بأن تجتاح منطقة الشرق الأوسط برمّتها التي تعيش الفترة الأكثر صعوبة في تاريخها). وأكد أن المفاوضات السورية – السورية لن تكون سهلة، مشدداً على أن (هناك عدداً غير قليل من القوى التي أيدت جنيف 2 قولاً، لكنها، في حقيقة الأمر لا تريد نجاحه). ودعا إلى إشراك إيران والمعارضة الوطنية في المفاوضات. وحثَّ على دعم الحكومة والمعارضة في نضالهما لاجتثاث الإرهاب، محذّراً من أن سورية تتحول إلى بؤرة للإرهاب الدولي.

وقد شدّد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في كلمته على أنّه في سورية الجديدة لن يكون هناك مكان (لآلاف المتطرفين الذين يعتمدون العنف وينشرون أيديولوجيتهم الحاقدة ويزيدون من معاناة الشعب). ورأى أنّ بيان جنيف واحد (خريطة طريق سلمية لعملية انتقالية، والعثرة الوحيدة التي تقف في طريقها هي تمسّك رجل واحد، عائلة واحدة، بالسلطة).

وعلى هامش مؤتمر صحفي عقده بعد انتهاء المؤتمر، ترك جون كيري الباب مفتوحاً حول إمكانية مشاركة إيران لاحقاً، إذ قال: (إيران قررت ألا تتعاون بما يسمح في حل الأزمة السورية).. لكنه أضاف (لا يزال باستطاعة إيران أن تكون مفيدة، وأن تقدم مساهمة فعالة في حل الأزمة السورية). وتابع قائلاً: (نأمل أن يقرروا أن يكون لهم دور بنّاء، وأن يتخذوا قراراً بالعمل بطريقة تمضي للأمام ويمكن أن تسمح لهم بذلك). وتابع: (توجد سبل وفيرة لإمكانية فتح الباب في الأسابيع أو الشهور المقبلة، وأملي أن يرغبوا في الانضمام إلى حل بنّاء). الملاحظ أن هذه الخطابات وغيرها التي ألقيت في افتتاح المؤتمر، قد أظهرت الشرخ عميقاً والهوة سحيقة بين المشاركين في المؤتمر الذين ألقوا كلمات تتعلق بمواقف بلدانهم من الأزمة السورية، إذ وقف قسم منها إلى جانب الحكومة السورية، وانحاز قسم آخر إلى أحد أطياف المعارضة المتناحرة. وما قد يعقّد الأمور هو اختلاف هذه الدول حول تفسير بنود جنيف ،1 وخصوصاً بند المرحلة الانتقالية وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، فقد استبق سعود الفيصل مثلاً نتائج المؤتمر وخاطب الجربا بـ(فخامة الرئيس)، ملغياً مقام رئاسة الجمهورية العربية السورية، لصالح رجله في الائتلاف.. علماً أن بيان جنيف 1 نصّ على تشكيل هيئة حكومية من الطرفين، دون إلغاء أحد.

مفاوضات طويلة وشاقة

بعد أن أعلن وفد المعارضة رفضه الجلوس مع ممثلي الحكومة السورية في غرفة واحدة، وذلك بسبب خلافات عميقة بين أعضاء الوفد، أُعيد هيكلة الوفد، بضغوط أمريكية، بعد أن  لجؤوا إلى (حيلة)، لمنع حدوث خلافات جديدة، فسمّوا هادي البحرة (كبير المفاوضين)، بدلاً من (رئيس الوفد المفاوض)، على أن يحمل رئيس الائتلاف أحمد الجربا، لقب رئيس الوفد المفاوض، من دون أن يحضر المفاوضات بالضرورة. وبعدئذ وُضع بروتوكول اللقاء مع وفد الحكومة السورية الذي كان على الشكل التالي:

سيلتقي وفدا الحكومة السورية والمعارضة يوم السبت، في غرفة واحدة، على أن يكون بينهما الإبراهيمي ومعاونون له. لن يتوجه الوفدان السوريان بالحديث أحدهما إلى الآخر، مباشرة، بل يتكلم رئيس كل وفد إلى الوسيط، الذي ينقل الكلام إلى الطرف الآخر. هذا مع الإشارة إلى أن رئيس وفد الحكومة السورية وليد المعلم هدّد الإبراهيمي بمغادرة جنيف، إذا امتنع وفد المعارضة عن المشاركة بفعالية في المفاوضات.

وحتى يوم الاثنين لم يتوصل الإبراهيمي إلى ورقة عمل مشتركة يحدد فيها ما سيجري التفاوض عليه، ونقاط الاتفاق، ونقاط الاختلاف. ويدور الحديث حول مقررات (جنيف1) وتفسيرها، ستكون خاضعة للتفاوض أيضاً، ولا يزال كل طرف على موقفه. فالمعارضة مصرّة على أن يسلم النظام السلطة إلى هيئة حكم انتقالي، فيما الحكومة السورية ترفض هذا البند، متحدثة عن (جنيف1) كرزمة واحدة غير مجزأة، طبعاً مع التحفّظات التي أبدتها على بعض بنود هذا الاتفاق.

ويوم السبت 25/،1 التقى وفدا الحكومة السورية والمعارضة في قاعة واحدة، واقتصر الكلام على السيد الإبراهيمي فقط، ولم يدم اللقاء إلا نصف ساعة، ثم غادر الوفدان، كلّ من باب، وأعلن الإبراهيمي بعد ذلك عن جولة جديدة بعد الظهر.

لكن نتيجة الجولتين كانت واحدة، وهي (لا تقدّم في أي موضوع)، وفد المعارضة يصر على مناقشة تنحي الرئيس الأسد وموضوع تشكيل الحكومة الانتقالية، بينما يرفض وفد الحكومة السورية مناقشة هذين الموضوعين أولاً.

وقد نوقش في الجلسة المسائية موضوع المخطوفين والأسرى، وموضوع كيفية إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة في حمص من قبل وفد المعارضة، بينما طالب وفد الحكومة السورية بإيصال المساعدات الإنسانية إلى مدينة عدرا العمالية في ريف دمشق، والفوعة ونبّل والزهراء في ريف حلب.

إن ما سيُسفر عنه جنيف 2 لن يكون بديلاً عن الحل الذي يجب أن يُتفق عليه في دمشق بين كل القوى الوطنية التي تريد الخير لسورية، سورية التي حملت مشعل الحضارة لقرون عديدة، وقدمت عظماء أسهموا في دفع عجلة الحضارة الإنسانية إلى الأمام.. هذا الحل سيُقرّه المواطن السوري عِبر صندوق الاقتراع الذي هو الحكم والفيصل في الدول التي تحترم نفسها وتحترم مواطنها. هذا الحل هو الوحيد الذي سيقبله المواطن السوري، وليس الحل الذي تحاول بعض الدول أن تفرضه عليه، بينما لا يزال مواطنها محروماً من أبسط حقوقه الإنسانية.

العدد 1104 - 24/4/2024