حوار وطني شامل دون شروط

تظهر ردود أفعال السوريين على المبادرة الرئاسية لحل الأزمة السورية بالطرق السلمية، أنهم لم يفقدوا يوماً إيمانهم بانتصار الحوار على العنف..والتوافق على العداء.ولعل اعتماد القيادة السياسية هذه المبادرة حلاً آمناً للخروج من النفق الأسود كان تتويجاً لمطالب الجماهير الشعبية، وتوجهاً واضحاً نحو حل الأزمة بالطرق السلمية.إذ تولدت القناعة لدى القاصي والداني باستحالة الحسم العسكري دون إفناء البشر..والشجر..والحجر.

 لايطيق أحد من السوريين استئثار فئة ما.. حزب ما بمقاليد السلطة والثروة، لكنهم جميعاً يحبون سورية، لذلك كانت استجابة فئاتهم المختلفة إيجابية لمبدأ الحوار والتوافق والتغيير السلمي لأوضاعهم السياسية والاجتماعية، وهذه الاستجابة، وهذه الحماسة للتغيير فعلتا فعلهما، لا في أوساط الجماهير الشعبية فقط، بل في أوساط بعض من توهموا أن باستطاعتهم احتواء الاحتقان..واستمرار تجاهلهم للمطالب المشروعة لهذه الجماهير. وهكذا بدأت مرحلة سقوط الأوهام..واستبشر المواطنون مع المبادرة الرئاسية بمرحلة انتقالية تمهد لسورية الديمقراطية الجديدة، خاصة أن الميثاق الوطني الذي سيتوافق عليه المشاركون بالحوار الوطني العتيد، يتضمن تحديداً واضحاً للنظام الدستوري.. وأفق التغيير السياسي الديمقراطي، وملامح النهج الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.

هذه الجماهير هي التي طالبت قبيل اندلاع الأزمة وخلالها بإصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي شامل، يقود إلى سورية الديمقراطية.. العصرية، دولة القانون التي تطلق الحريات العامة لجميع المواطنين ومكونات المجتمع المدني، وتعترف بالتعددية السياسية وحرية التعبير، وتحرر الحياة العامة من القوانين والقيود وأشكال الرقابة الأمنية المفروضة عليها.هذه الجماهير الشعبية هي التي تضررت مصالحها بفعل السياسات الاقتصادية التي اتبعت في العقد الماضي، التي أطلقت يد الرأسمالية الريعية، ووسعت الفوارق الطبقية، وهمشت مطالب الفئات الفقيرة المعيشية، وقلّصت الدعم الحكومي للفئات الأقل دخلاً، مما أدى لارتفاع قياسي في نسب الفقر والبطالة.

جماهير الشعب السوري هي التي تطالب بتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة بقيادة الدولة، تخدم مصالح جميع الفئات الاجتماعية، الفقيرة منها قبل الثرية، وتضع حداً للفساد الذي كَوّن (لوبيات) عنكبوتية اقتنصت الفرص..واستغلت المواقع الرسمية..وفوتت المليارات على خزينة الدولة، فهي تسعى إلى التغيير السلمي الحضاري باتجاه الديمقراطية والعلمانية، بعد أن خبرت عن كثب..وطول معاناة في العامين المنصرمين ماخُطط..وما نُفذ على يد الأمريكيين وشركائهم الأوربيين والخليجيين في ليبيا، وما يُعد له في مطابخ السياسة الأمريكية العثمانية الجديدة من سيناريوهات مشابهة لضرب التفرد السياسي الوطني السوري، المعادي للإمبريالية الأمريكية وتهديم مجتمعهم المتآلف بأطيافه السياسية والدينية والإثنية المتعدد، بل إفناء كل مابنته أيدي السوريين وعقولهم في تاريخهم الحديث. حوار غير مشروط، باستثناء تحييد الخارج والانحياز إلى سورية وشعبها، هذا ما أكدناه مراراً منذ بداية الأزمة السورية، إذ لا نرى نحن في الحزب الشيوعي السوري (الموحد)، طريقاً للرد على التدخلات الخارجية المعادية لتطلعات الشعب السوري سوى الحوار الوطني الشامل.. غير المشروط بين جميع الأطياف السياسية والاجتماعية والإثنية، وتحقيق التوافق بين الجميع على مستقبل البلاد، أنه المدخل الآمن إلى وقف نزيف الدماء، وعودة المهجرين إلى مدنهم وقراهم، بعد إعمار ما هدم من بيوتهم ومدارسهم ومستوصفاتهم وبناهم التحتية، وإطلاق سراح جميع المعتقلين والسجناء السياسيين، والموقوفين على خلفية الأحداث، ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء، وإعادة إنهاض الاقتصاد الوطني، هذا الحوار الذي سيفتح -حسب ما نرى- الآفاق أمام سورية الديمقراطية العلمانية.

العدد 1105 - 01/5/2024