الصناعة.. أوّليات واضحة ودعوة مفاجئة

فاجأتنا وزارة الصناعة، بدعوتها الصناعيين الذين غادروا البلاد ونقلوا منشآتهم، أو أوقفوا العمل بها، إلى العودة وإعادة دوران (المسننات)، وليعلو هدير الآلات على كل الأصوات الأخرى، وأدهشتنا أنها حاولت بث الطمأنينة لدى هؤلاء الذين غادروا، بأنها حصلت على موافقة مجلس الوزراء بالسماح بنقل هذه المنشآت جزءاً أو كلاً، إلى المحافظات الآمنة.

مصدر المفاجأة والدهشة في آن، هو انتظار الحكومة كل هذا الزمن، وتركها موضوع حماية المنشآت الصناعية، إلى وقت استفحلت فيه الظاهرة، وباتت مقلقة للغاية، لاسيما بعد سرقة آلات منشآت مدينة الشيخ نجار الصناعية في حلب، على وجه الخصوص. بينما كان مطلوباً تأمين الحماية لهذه المنشآت، وتوفير مستلزمات إنتاجها، ووصول عمالتها إليها. ولانعتقد أن صناعياً ما حزم حقائبه، هرباً من العنف الذي يطول البلاد، ويهدد حياته، وسلامة عماله ومنشآته، سيعود فوراً، أو اعتبار أنه كان ينتظر دعوة كهذه، ليعود مباشرةً.

لانستطيع التفاؤل بدعوة وزارة الصناعة، على أهميتها، لأن عودة من غادروا مرتبطة حتماً بزوال الأسباب التي دفعتهم إلى الهجرة المؤقتة، وهذه الأسباب ومناخات العودة غير متوافرة بالشكل المطلوب أو المبتغى حالياً. كما أن نقل بعض أو كل المنشآت إلى المحافظات الآمنة، يفتح الباب أمام تساؤل: ما هي المحافظات الآمنة؟ وهل يمكن أن تبقى آمنة، وبعيدة عن العنف؟

قطاعنا الصناعي بشقيه العام والخاص، بحاجة إلى إرادة قوية، ورغبة مشتركة، وأرضية مناسبة، لإعادة الروح إليه، وتفعيل دوره في الحياة الاقتصادية، وزيادة نشاطه فيها، ورفع نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى المستوى الذي يستحقه ويليق به. وإذا كان الحديث عن إصلاح حال الصناعة حالياً أحد المستحيلات، فإن المحافظة على أمن المنشآت، وتوفير مستلزمات الإنتاج، هو الحد الأدنى المطلوب من الجميع، عمالاً وقوى وأحزاباً وحكومة ومعارضة..إلخ، وما عدا هذا يمكن البحث فيه لاحقاً. ومادامت الأوّليات واضحة، وفي الوقت ذاته ملحة، يبرز السؤال: لماذا الانتظار؟

العدد 1105 - 01/5/2024