«بدي أربط أحلام ملايين الشُهَدا بحبل من شقائق النعمان»!

في أيام المدرسة، كنا نأخذ بمادة التربية القومية موضوع (الشهادة). وأتذكر عبارة حفظتها منذ ذلك الحين وهي: (الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر) وكنت أعيدها مراراً لأتمكن من حفظها (الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر) وأعيد وأعيد كالببغاء دون أن أفهمها أبداً؛ المهم كان بالنسبة لي هو أن أنتهي من الامتحان أو المذاكرة وأحصل على علامة جيدة.

اليوم وبعد ثلاثة أعوام من النزاع الدائر في بلدي فهمت الدرس جيداً، لا بل أصبح لي تعريفي الخاص للشهادة أنا أخترعه، وهو: الشهادة هي أن يموت أحد في سبيل أن أحيا أنا ويبقى الوطن.

وخجلت من نفسي كثيراً عندما فهمت معنى الشهادة، فهنالك من مات لأحيا أنا، ومن أنا؟ ويبقى الوطن..

وتوسع مفهوم الشهيد بالنسبة لي، فأصبح أكثر من جندي يحمل سلاحه في جبهة عسكرية مفتوحة. فممكن أن يكون أيضاً طفلاً يلعب بحارته،طالباً مدرسياً أو جامعياً على مقعد دراسته، صحفياً بميدانه، عريساً يفكر بفرحته، أو مواطناً عادياً عابراً لسبيله…

مات هو لأحيا أنا، ومن أنا؟ ويبقى الوطن..

وعن علاقة الشهداء بأوطانهم ف (لكل زمانٍ رجاله) كما يقول المثل، وأنا أكمل: أو شهداؤه أيضاً.

فمجد الشهداء من مجد الأوطان، والشهداء قدموا أنفسهم بخوراً للأوطان، والبخور كما نعلم يقدم للملوك والآلهة، وبالشهداء أصبح للأوطان أيضاً.

والبلدان تتغنى بشهدائها وتكتب القصائد والأناشيد عنهم، وتصنع الأفلام لتروي حكاياتهم وبطولاتهم وحتى تتكنى بهم، فلا نستغرب مثلاً عندما نسمي الجزائر مثلاً بلد المليون شهيد.

وها نحن أولاء أيضاً خصصنا يوم السادس من أيار لتخليد ذكراهم، ونقف دقيقة صمت في المناسبات الرسمية احتراماً وإجلالاً لأرواحهم الطاهرة.

نسمي المدارس، الشوارع والساحات على أسمائهم، ونقيم المدارس لأبنائهم ونزين الأماكن العامة بتماثيلهم.

فهم ومن دون منازع مفخرة الأوطان، وعندما يلف جثمان الشهيد بعلم الوطن فهو يكسب شرف الشهادة وشرف موطنه. فلا أستغرب عندما قال صديق لي ذات يوم مخاطباً صديقه عندما استشهد: (نيالك على شهادتك)!

ماتَ هو لأحيا أنا، ومن أنا؟ ويبقى الوطن؟!

رحمة الله وألف رحمة على كل شهداء سورية الغالية الأبرار الذي استشهدوا عبر أجيالها المتعاقبة، عسكريين ومدنيين، فهم كانوا كبش الفداء لنبقى نحن أحياء بأرضهم يرزقون، ماتوا ليبقى العيد بهذا البلد ولهذا الشعب العنيد.

ويبقى السؤال: هل لنا أن نتحمل نحن – المواطنين الصالحين – واجب وطننا علينا وكلٌّ في مكانه وحسب دوره علّنا نحقق شيئاً من أحلامنا وشيئاً من أحلامهم وهم راحلون؟

وهل لدم الشهيد الزكي أن يجمعنا ويوحّدنا ويفك أغلال أحقادنا بعضاً على بعضِ علنا نُخَلّص أنفسنا وسفينة وطننا وننقذها من الغرق؟

وأختم بما قاله الفنان الكبير دريد لحام في مسرحية (شقائق النعمان): (بدي أربط أحلام ملايين الشُّهَدا بحبل من شقائق النعمان وأعمل منها أشرعة وصواري للسفينة يلي عم تغرق لأنو إذا غرقت السفينة رح نغرق كلنا سوا)!

العدد 1105 - 01/5/2024