في عيد المرأة العالمي… لنمكّن المرأة السورية!

في الثامن من آذار من كل عام يحتفل العالم بعيد المرأة العالمي الذي جاء إثر عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي في باريس عام 1945.

لقد ولِدَ هذا اليوم بعد الإضرابات النسائية التي قامت في الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية التمييز المزدوج ضدّ المرأة(تمييز على أساس الجنس من جهة، وتمييز على أساس اللون من جهة أخرى).

إنه يوم مكرّس في حقيقته لإبراز منظومة التحديات التي كانت ولا تزال شرائح عريضة من نساء العالم يواجهنها على جميع الصُعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أنه استعراضٌ لإنجازات ومكاسب حققتها المرأة على مدى أعوام سابقة، أو أهداف ما زالت تسعى لترجمتها على أرض الواقع، والحقيقة الواضحة دوماً هي أن النساء ما زلن يناضلن من أجل العديد من المطالب التي لم تتحقق بعد، وأهمها مبدأ المساواة بين الجنسين أمام القانون في الحقوق والواجبات، في النصوص التشريعية والدستورية في مختلف بلدان العالم حتى المتحضّر منها.

يأتي عيد المرأة العالمي والمرأة العربية رغم التحوّلات والتغييرات الحاصلة على الساحة العربية منذ أكثر من عامين، لم تحصل سوى على القليل القليل من أهداف ومطالب ناضلت من أجلها منذ عقود، ومازالت تعمل على تحقيقها بسعيها الدؤوب لتغيير منظومة التفكير المجتمعية التي تعمل على تكريس دونية المرأة وعدم مساواتها بالرجل، استناداً إلى قوانين أحوال شخصية سنّها رجال القبيلة منذ عهد قدري باشا، إضافة إلى السعي لتعديل الكثير من القوانين التي تُعزز التمييز ضدها، وفوق كل هذا، ما زالت النساء العربيات يسعين جاهدات لرفع تحفظات الحكومات عن بعض بنود اتفاقية إلغاء جميع أشكال العنف والتمييز ضد المرأة/ السيداو.

صحيح أن التغيير الذي حصل في اليمن قد حمل إلى الناشطة الحقوقية توكل كرمان العام الماضي جائزة نوبل للسلام مناصفة مع اثنتين من إفريقيا، لكن أيضاً يمكننا القول إن التغيّرات الحاصلة ذاتها، وتحديداً في الدول التي حملت الإسلاميين إلى الحكم قد ألحقت الهزيمة بمكاسب المرأة العربية وذلك بفرض هذه الحكومات الشريعة الإسلامية التي تناسب ميولها دستوراً ينظم الحياة الاجتماعية، مما أهدر الكثير من المكاسب كما هو حاصل الآن في مصر وتونس، ناهيك بالجرائم المرتكبة بحق النساء في مصر كجرائم الاغتصاب والسحل التي جرت في ميدان التحرير عقب وصول الإسلاميين إلى الحكم في ظاهرة منظّمة ينفذها العديد من الشباب الموظّف خصيصاً لهذا الفعل من أجل إرهاب النساء المشاركات في الحركات الاحتجاجية من جهة، ومن جهة أخرى وهذا هو الأهم، إخراج المرأة المصرية من ساحة المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية للبلاد، وبالتالي إقصاء النساء في محاولة واضحة لفرض عودتهن ثانية إلى داخل مقصورات الحرملك التي كانت سائدة قبل قرن وأكثر.

يأتي الثامن من آذار والمرأة السورية، على مدار عامين، عانت ومازالت تُعاني على أكثر من صعيد بسبب الأزمة  المركبة التي تعصف بالبلاد. فقد خسرت المرأة السورية بيتها في العديد من المناطق.  كما فقدت زوجها وأولادها في حرب لا مصلحة للسوريين فيها. إضافة إلى توقف العديد من مشاريع القوانين التي كانت تناضل من أجل إنجازها، كتعديل قانون الأحوال الشخصية، وإنجاز قانون أسرة عصري يواكب المتغيرات الطارئة على مكونات الأسرة، إضافة إلى وقف تعديل قانون الجنسية بما يسمح بمنح هذه المرأة جنسيتها لأبنائها.

إن كل هذه الأمور مجتمعة تضع المرأة السورية مجدداً على خط البداية من أجل النضال مجدداً تجاه العديد من المطالب، إضافة إلى القضايا المذكورة. وهذا أيضاً يُعرقل مسيرة عملها والعودة بها سنوات إلى الخلف، مما يتطلب من جميع المعنيين الانتباه والاهتمام بنصف المجتمع/المرأة، لأنه بدون وجودها ومساهمتها في الحياة السياسية والنشاط الاقتصادي والاجتماعي، لا يمكن للحرية أو الديمقراطية أن تُنجز في البلاد.

إضافة إلى أن المرأة عموماً وبحسها العفوي والأمومي تجنح دوماً نحو السلم والأمان من أجل أبنائها ومستقبلهم، وبالتالي من أجل مستقبل البلاد ككل. من هنا نجد لزاماً على الحكومة  تعزيز وجود المرأة السورية طرفاً أساسياً وهاماً من أطراف الحوار الوطني الشامل، والأخذ بمبادرات النساء الداعية إلى السلم ورفض العنف الدائر حالياً أولاً وقبل كل شيء، لأنهنّ الأكثر تضرراً في المجتمع بسبب الخسارات المذكورة أعلاه.

وليكن عيد المرأة في سورية هذا العام عيداً للسلام والمحبة والتسامح والإخاء..

وكل عام ونساء سورية والعالم بخير وأمن وسلام!

العدد 1107 - 22/5/2024